الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }

بدئت هذه السورة بذكر القرآن وموضوع دعوته العامة وحال الناس فيها، وبيان طباعهم وشؤونهم الرديئة إلا ما هذبته هداية الدين منها، وهذه الآيات خاصة بتكذيب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقد بدئت ببيان غمه وحزنه وضيق صدره صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه وتأكيد تبليغه، ويليه تحديه به المثبت لوحيه.

{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } المتبادر إلى الفهم من جملة لعل بحسب موقعها هنا الاستفهام الإنكاري المراد به النهي أو النفي، أي أفتارك أنت أيها الرسول بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه على المشركين من الأمور بالتوحيد والنهي عن الشرك والإنذار والوعيد الشديد لهم والنعي عليهم وضائق به صدرك أن تبلغهم إياه كله كما أنزل كراهة { أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } أي هلا أعطاه ربه كنزاً من لدنه يغنيه في نفقته ويمتاز به على غيره، فالكنز ما يدخر من المال في الأرض، عبروا به عما ينال بغير كسب، وبإنزاله عليه على كونه من عند الله يخصه به.

{ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } يؤيده في دعوته، وهم قد قالوا ذلك كما جاء في سورة الفرقان في قوله تعالىوَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } [الفرقان: 7-8] أي إن ضيق الصدر وكتمان بعض الوحي مما يخطر بالبال، وشأنه أن تقتضيه الحال، بحسب المعهود من طباع الناس، فهل أنت مجترح لهذا الترك، أو مستسلم لما يعرض لك بمقتضى البشرية من ضيق الصدر؟ كلا لا تفعله. فهو كقوله تعالى:وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [النحل: 127] وقوله تعالى:الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 1-2] وقوله تعالى:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6] وقوله تعالى:طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 1-4] أي لعلك قاتلها غماً وانتحاراً؟ أي لا تفعل، وحاصله أن عنادهم وجحودهم وإعراضهم عن الإيمان وشدة اهتمامك بأمرهم فيما ليس أمره بيدك مما شأنه أن يفضي إلى ذلك لولا عصمتنا إياك وتثبيتنا لك، فهل تصر عليه حتى تبخع نفسك؟ لا لا، ويوضح هذا المعنى في كون الإرشاد مبنياً على بيان الواقع في تلك الوقائع قوله تعالى:وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [الإسراء: 74].

{ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } فعليك أن تبلغ جميع ما أمرت أن تبلغه وتنذر به في وقته وإن ساءهم وأطلق ألسنتهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي هو الموكل بأمور العباد والرقيب عليهم فيها وليس عليك منها شيء، لأنها من أمور الخلق والتدبير، لا من موضوع التعليم والتبليغ، الذي هو وظيفة الرسل كما قال في آيات أخرى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد