الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

هذه الآيات الأربع في بيان سنن الله العامة في إهلاك أولئك الأقوام الذين قص على رسوله قصصهم وأمثالهم، جاءت بعد ما تقدم من بيان عاقبتهم في الدنيا والآخرة وإنذار قومه صلى الله عليه وسلم بهم، وما يجب عليه وعلى من آمن وتاب معه من الاستقامة والصلاح، واجتناب أهل الظلم والفساد، قال:

{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } [هود: 116] لولا تحضيضية بمعنى هلا، والقرون الأمم والأقوام، والقرن في اللغة كما في المصباح: " الجيل من الناس قيل ثمانون سنة وقيل سبعون " أقول ثم اشتهر تقديره بمائة سنة. والبقية من الشيء ما يبقى منه بعد ذهاب أكثره، ومن الناس كذلك، واستعمل في الخيار والأصلح والأنفع، قيل لأن الناس ينفقون في العادة أردأ ما عندهم وأقربه إلى التلف والفساد أولا ويستبقون الأجود فالأجود، ونقول لأن الأحياء يهلك منهم الأضعف فالأضعف أولا ويبقى الأقوى فالأقوى، ومن هذا ما يعرف في علم الاجتماع بسنة الانتخاب الطبيعي، وهو إفضاء تنازع الأحياء إلى بقاء الأمثل والأصلح، كما ورد في المثل الذي ضربه الله للحق والباطل بقوله تعالى:فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } [الرعد: 17] ومن ثم يعبرون عن الخيار بالبقية يقولون: في الزوايا خبايا، وفي الناس بقايا، وبهذا فسرت الآية.

والمعنى: فهلا كان أي وجد من أولئك الأقوام الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم في الأرض جماعة أصحاب بقية من النهي والرأي والصلاح ينهونهم عن الفساد في الأرض وهو الظلم واتباع الهوى والشهوات التي تفسد عليهم أنفسهم ومصالحهم، فيحول نهيهم إياهم دون هلاكهم، فإن من سنتنا أن لا نهلك قوما إلا إذا عم الفساد والظلم أكثرهم كما يأتي في الآية التالية: { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } أي لم يكن فيهم بقية من هؤلاء العقلاء الأخيار، الناهين عن المنكر، الآمرين بالمعروف، ولكن كان هنالك قليل من الذين أنجيناهم أو هم الذين أنجيناهم مع الرسل منهم، وكانوا منبوذين لا يقبل نهيهم وأمرهم، مهددين مع رسلهم بالطرد والإبعاد، بعد الأذى والاضطهاد { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم الأكثرون منهم { مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } أي ما رزقناهم وآتيناهم من أسباب الترف والنعيم فبطروا. يقال أترفته النعمة أي أبطرته وأفسدته، والبطر الطغيان في المرح وخفة النشاط والفرح { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } أي متلبسين بالإجرام الذي ولده الترف راسخين فيه، فكان هو المسخر لعقولهم في ترجيح ما أعطوا من ذلك على اتباع الرسل.

روى ابن مردويه في تفسيره عن أبي بن كعب قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أولو بقية وأحلام " والأشبه عندي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الأحلام تفسيراً لا قرآنا.

السابقالتالي
2 3 4