الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

هاتان الآيتان في بقية العبرة بسنة الله تعالى في الأمم وأقوام الأنبياء عليهم السلام، ذكر الله قوم خاتم النبيين وأمته أولا بأقوام الذين غلب عليهم الكفر والجحود فلم يؤمن إلا قليل منهم فوفاهم الله جزاء أعمالهم في الدنيا وسيوفيهم إياها في الآخرة، فإن سنته في الدارين واحدة - وذكرهم في هاتين الآيتين بقوم موسى الذين آتاهم الكتاب فاختلفوا فيه، وكلمته في تأخير جزائهم إلى الآخرة لأنهم لم يستحقوا عذاب الاستئصال في الدنيا، وأن مثل الذين يختلفون من أمته في الكتاب كمثل هؤلاء قال:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } [هود: 110] أي: فاختلف فيه قومه من بعده بغياً بينهم وتنازعا على الرياسة فكانوا شيعاً كل شيعة تنتحل مذهبا وتعادي من يخالفها فيه، وإنما أوتوا الكتاب لجمع الكلمة، وتقدم تفصيل إنزال الله الكتب على الأنبياء للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه في قوله تعالى في سورة البقرة آية 213 الجامعة { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي في الدنيا بإهلاك البغاة المثيرين للاختلاف فيه بأهوائهم، وإبقاء المعتصمين بالوحدة والاتفاق على هدايته، كما أهلك الذين ردوا دعوة الرسل جحوداً وعناداً، والمراد بهذه الكلمة إنظارهم إلى يوم القيامة، وتقدم مثل هذا التعليق بالكلمة في جميع المختلفين في قوله تعالى في سورة يونس آية 19، ثم فسرت في بني إسرائيل بقوله تعالى:إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [يونس: 93] ومثله في قوله تعالى في سورة الجاثية آية 17، وسيأتي تحقيق القول في الاختلاف في تفسير الآية 118 هنا { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } الظاهر إن هذا في قوم موسى وكتابهم التوراة أي إنهم لمرتكسون في شك من أمر كتابهم موقع في الريب والاضطراب.

وذهب بعض كبار المفسرين إلى أنه في مشركي مكة وأمثالهم الذين شكوا في القرآن، وهو خطأ ظاهر في اللفظ والمعنى والسياق، وما في معنى الآية من السور الأخرى، ومثلها في سورة حم السجدة (فصلت) بنصها، وفي معناها من سورة الشورى ما يفسر الإجمال في هاتين الآيتين ويفصله، فإنه بعد ذكر بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم بالقرآن واختلاف البشر فيه وحكمه تعالى هو في الاختلاف قال تعالى:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }

السابقالتالي
2