الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

هذه الآيات معطوفة على قوله تعالى:وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ } [هود: 7] إلخ وهي كلها بيان لحال الناس تجاه ما بلغوه من دعوة الإسلام الحق من أول هذه السورة وهو التوحيد وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم نذيراً وبشيراً وما أنذر وبشر به من جزاء في الدنيا والآخرة، والرجوع إلى الله بعد الموت وكمال الجزاء فيه، وقد استدل على هذا بخلقه تعالى للسماوات والأرض إذ كان عرشه على الماء، الذي هو الأصل لجميع الأحياء، وعلله باختبار المكلفين بما يظهر به أيهم أحسن عملاً. بعد هذا بين قصارى ما يقوله المنكرون للبعث منهم وقد تقدم، ثم عطف عليه ما يقوله المنكرون لإنذار الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم عذاب الدنيا والآخرة بتكذيبهم له فقال:

{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } الآية شرطية مؤكدة بالقسم والمراد بالعذاب ما تقدم من قوله:وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود: 3] على ما اخترناه فيه، والأمة هنا الطائفة أو المدة من الزمن ومثله في سورة يوسف:وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف: 45] وأصلها الجماعة من جنس أو نوع واحد أو دين واحد أو زمن واحد، وتطلق على الدين والملة الخاصة والزمن الخاص. أي ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى جماعة من الزمن معدودة في علمنا ومحدودة في نظام تقديرنا، وسنتنا في خلقنا، المبين في قولنا:لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد: 38] أو إلى أمة قليلة من الزمن تعد بالسنوات، أو ما دونها من الشهور أو الأيام { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } يعنون أي شيء يمنع هذا العذاب من الوقوع إن كان حقاً كما يقول هذا النذير؟ وإنما يقولون هذا ويستعجلون بالعذاب إنكاراً له واستهزاءاً به: { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } أي ألا إن له يوماً يأتيهم فيه إذ تنتهي الأمة المعدودة المضروبة دونه، ويومئذ لا يصرفه عنهم صارف ولا يحبسه حابس { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } وسيحيط بهم يومئذ من كل جانب ما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه، فلا هو يصرف عنهم ولا هم ينجون منه، عبر بـحاق الماضي للإيذان بتحقيق وقوعه حتى كأنه وقع بالفعل، وعبر عن الفاعل بما الموصولة بفعل الاستهزاء المستمر للإيذان بعلته وسببه، وهذا الموضوع قد تقدم في سورة يونس مفصلاً في الآيات 39 و 45 - 55 وبينا في تفسيرها حكمة إبهام هذا العذاب بما يحتمل عذاب الدنيا وعذاب الآخرة مع الشواهد من السور.

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } هذا وما بعده بيان لحال الإنسان في اختبار الله له في قولهلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7] أي لئن أعطيناه نوعاً من أنواع النعمة رحمة منا مبتدأة أذقناه لذتها، فكان مغتبطا بها، كالصحة والأمن وسعة الرزق والولد البار { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } بما يحدث من الأسباب بمقتضى سنتنا في الخلق من مرض وعسر وفتن وموت { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } أي إنه في هذه الحال شديد اليأس من الرحمة، قطوع للرجاء من عودة تلك النعمة، كثير الكفران لغيرها من النعم التي لا يزال يتمتع بها، فضلاً عما سلف منها، فهو يجمع بين اليأس مما نزع منه، والكفر بما بقي له لحرمانه من فضيلتي الصبر والشكر.

السابقالتالي
2