الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } * { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ }

هذه البضع الآيات في العبرة بجزاء الآخرة للأشقياء والسعداء.

{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } [هود: 103] أي: في ذلك الذي قصه الله من إهلاك أولئك الأقوام، وما قفى عليه من بيان سنته في الظالمين، لحجة بينة وعبرة ظاهرة، على أن ما يجري في خلقه من نظام سننه هو بمشيئته واختياره، وإنما هو آية وعبرة لمن يخاف عذاب الآخرة يعتبر بها فيتقي الظلم في الدنيا بجميع أنواعه، لإيمانه بأن من عذب الأمم الظالمة في الدنيا قادر على تعذيبهم في الآخرة، ولا يغتر بعدم وقوع العذاب عليه في الدنيا كأولئك الأقوام كما كانوا مغرورين، فإن كان العذاب العام إنما نزل بمن أجمع منهم على الشرك والظلم والفساد، فتلك سنته تعالى في الأقوام دون الأفراد، وقد علم منها إن الله تعالى لا يهلك الأمة في جملتها ما دام فيها أحد من أهل التوحيد والتقوى، إذ كان يخرج رسله وأتباعهم من قومهم قبل هلاكهم، وأما الأفراد فتعذيبهم في الدنيا بظلمهم كثير ولكنه غير مطرد، وقد تكون نجاتهم فيها بصلاح غيرهم من أهلها كما بيناه مراراً، ولذلك أفرد الخائف هنا.

قال القاضي البيضاوي في تخصيص الآية بالخائف: يعتبر بها لعلمه أن ما حاق بهم نموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة - أو ينزجر له عن موجباته لعلمه بأنه من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها.

أقول: ذكرت في الكلام على العبرة بهلاك قوم نوح بالطوفان إن كفار الماديين وملاحدة المليين في هذا الزمان يقولون مثل هذا الذي حكاه البيضاوي عن منكري الآخرة في عصره: يقولون إن الطوفان حدث بسبب طبيعي لا بإرادة الله واختياره لتربية الأمم، وإنهم هكذا يقولون فيمن هلكوا بالريح وبالصاعقة وبخسف الأرض، وقلت في الرد عليهم: إن حدوث المصائب بالأسباب الموافقة لسنن الله في نظام العالم هو المراد بالقضاء والقدر في القرآن، ولكن الله تعالى أحدث الأسباب في تلك الأوقات بحكمته لأجل عقاب تلك الأمم بها، ولم تكن بالمصادفة والاتفاق، والدليل على ذلك إنذار الرسل لأقوامهم إياها قبل وقوعها، ومنهم من ذكر موعدها بالتعيين والتحديد، وهكذا يفعل الله بالظالمين في كل زمان، وإن لم يكن فيه رسل يطلعهم على وقت وقوعه لينذروا الناس به اكتفاء بإنذار القرآن، وقد قال فيه:وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشعراء: 227].

{ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } أي: ذلك اليوم الذي يقع فيه عذاب الآخرة - فكان ذكره دليلا عليه - يوم يجمع له الناس كلهم أي لأجل ما يقع فيه من الحساب الذي يترتب عليه الجزاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6