الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

هذه الآيات الأربع فذلكة هذا السياق الذي كان ذكر قصص الأنبياء شواهد فيه، وهي تقرير صدق القرآن في دعوته ووعده ووعيده، وكونه لا مجال للامتراء فيه، وبيان الداعية النفسية للمكذبين بآياته، وتوجيه الاعتبار إلى أهل مكة مقروناً بالإنذار، بأسلوب التعريض والتلطف في العبارة، على حد: إياك أعني واسمعي يا جارة.

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [يونس: 94] أي فإن كنت أيها الرسول في شك مما أنزلنا في هذه الشواهد من قصة موسى ونوح وغيرهما على سبيل الفرض والتقدير، الذي ذكر على عادة العرب في تقدير الشك في الشيء ليبني عليه ما ينفي احتمال وقوعه أو ثبوته أمراً أو نهياً أو خبراً، كقول أحدهم لابنه: إن كنت ابني فكن شجاعاً أو فلا تكن بخيلاً، أو فإنك ستكون أو ستفعل كذا - بل يفرضون سؤال الديار والأطلال أيضاً منه قول المسيح في جواب سؤال الله تعالى إياهأَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } [المائدة: 116] وهذه الجملة الشرطية محل الشاهد، فهو عليه السلام يعلم أنه لم يقل ذلك، ولكنه يفرضه ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله منه.

وبعض العلماء يجري على هذا الأسلوب فيشكك تلميذه أو مناظره فيما لا شك فيه عندهما ليبني عليه حكماً آخر. ويجب في مثل هذا أن يكون فعل الشرط بإن التي وضعت للدلالة على عدم وقوعه أو تنزيله منزلة ما لا يقع، دون إذا الدالة على أن الأصل في فعل شرطها الوقوع { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } [يونس: 94] هذا جواب الشرط المقدر، قال ابن عباس لم يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل، وروي مثله عن سعيد بن جبير والحسن البصري قالاه فهماً لغوياً، وروي عن قتادة خبراً قال: ذكر لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا أشك ولا أسأل " ولم يسم الصحابي الذي ذكره فهو مرسل.

والمراد بالكتاب جنسه، أي فاسأل الذين يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى فإنهم يعلمون أن ما أنزلناه إليك من الشواهد حق لا يستطيعون إنكاره، وقال بعض المفسرين إن المراد سؤال من آمن منهم كعبد الله بن سلام من علماء اليهود، وتميم الداري من علماء النصارى ولا حاجة إليه، والآية بل السورة نزلت في مكة ولم يكن أحد من أهل الكتاب آمن. ومما يؤكد كون السؤال مفروضاً فرضاً قوله: { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } فهذه الشهادة المؤكدة بالقسم من ربه، تجتث احتمال إرادة الشك والسؤال بالفعل من أصله، ويزيدها تأكيداً قوله تعالى: { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي من فريق الشاكين الذين يحتاجون إلى السؤال، وهذا النهي والذي بعده يدلان على أن فرض وقوع الشك والسؤال فيما قبلهما عنه تعريض بالشاكين والممترين والمكذبين له صلى الله عليه وسلم من قومه.

السابقالتالي
2