الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

هاتان الآيتان هما الرابطتان بين سيرة موسى وهارون مع فرعون وقومه في مصر، وبين ما انتهت إليه من نصر الله له عليه وإنجاء بني إسرائيل من ظلمه، وإهلاكه عقاباً له كما وقع لنوح مع قومه.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ } [يونس: 88] بعد أن أعد بني إسرائيل للخروج من مصر إعداداً دينياً دنيوياً، متوجهاً إلى الله تعالى في إتمام الأمر، بعد قيامه بما يقدر عليه هو وبنو إسرائيل من الأسباب.

{ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [يونس: 88] أي إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه وكبراءهم دون دهمائهم من الصناع والزراع والجند والخدم - زينة من الحلي والحلل والآنية والماعون والأثاث والرياش، وأموالاً كثيرة الأنواع والمقادير، يتمتعون بها وينفقون منها في حظوظ الدنيا من العظمة الباطلة والشهوات البدنية بدون حساب.

{ رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } أي لتكون عاقبة هذا العطاء إضلال عبادك عن سبيلك الموصلة إلى مرضاتك باتباع الحق والعدل والعمل الصالح، ذلك بأن الزينة سبب الكبر والخيلاء والطغيان على الناس، وكثرة الأموال تمكنهم من ذلك وتخضع رقاب الناس لهم، كما قال تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7] وذلك دأب فراعنة مصر به تشهد آثارهم وركازهم التي لا تزال تستخرج من برابيهم ونواويس قبورهم إلى يومنا هذا الذي أكتب فيه تفسير هذه الآيات وتحفظ في دار الآثار المصرية، ويوجد مثلها دور أخرى في عواصم بلاد الإفرنج ملأى بأمثالها.

فاللام في قوله (ليضلوا) تسمى لام العاقبة والصيرورة وهي الدالة على أن ما بعدها أثر وغاية فعلية لمتعلقها يترتب عليه بالفعل لا بالسببية ولا بقصد فاعل الفعل الذي تتعلق به كقوله تعالى في موسى عليه السلامفَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] ويميز بينها وبين لام كي الدالة على علة الفعل بالقرينة وجعلها بعضهم هنا منها وحملوها على الاستدراج أي آتيتهم ذلك لكي يضلوا الناس فيستحقوا العقاب.

وقد يعززه قوله { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } يقال طمس الأثر وطمسته الريح إذا زال حتى لا يرى أو لا يعرفوَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } [يس: 66] وهو يصدق بالعمى وبعدم الانتفاع بها كما سبق قريباً في قوله:وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } [يونس 43] واتفقوا على إن المراد بالعمى هنا عمى البصيرة لا البصر، والمعنى هنا ربنا امحق أموالهم بالآفات التي تصيب حرثهم وأنعامهم وتنقص مكاسبهم وثمراتهم وغلاتهم فيذوقوا ذل الحاجة.

{ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي اطبع عليها، وزدها قساوة وإصراراً وعناداً، حتى يستحقوا تعجيل عقابك فتعاقبهم.

{ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } هذا جواب للدعاء أو دعاء آخر بلفظ النهي متمم له.

السابقالتالي
2