الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } * { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

هذه الآيات الخمس في بيان ما كان من شأن موسى مع قومه بني إسرائيل الذين أرسله الله ليخرجهم من مصر، في إثر ما كان من شأنه مع فرعون وملئه.

{ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } [يونس: 83] المتبادر إلى فهمي إن عطف هذه الجملة على ما قبلها بالفاء لإفادة السببية أو التفريع، أي إن إصرار فرعون وقومه على الكفر بموسى بعد خيبة السحرة وظهور حقه على باطلهم، ثم عزمه على قتله كما أنبأ الله تعالى بقوله:وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } [غافر: 26] يعني بالفساد الثورة والخروج على السلطان - كما قتل من آمن به من السحرة. كل هذا أوقع الخوف والرعب في قلوب بني إسرائيل قوم موسى فما آمن له إلاَّ ذريّة من قومه وهم الأحداث من المراهقين والشبان، وقيل قوم فرعون ولكن من آمن به منهم كان يكتم إيمانه ولا يقال آمن له إلا من اتبعه مؤمناً، ولم يكونوا صغاراً، والذرية في اللغة الصغار من الأولاد، قال الراغب وإن كان يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف، ويستعمل للواحد والجمع وأصله الجمع.

{ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [يونس: 83] أي آمنوا على خوف من فرعون وملئهم أي أشراف قومهم الجبناء المرائين الذين هم عرفاؤهم عند فرعون فيما يطلب هو منهم، فإن الملوك يستذلون الشعوب ويستعبدونهم برؤساء وعرفاء منهم، وقيل ملأ فرعون وجمع ضميره للتعظيم على خوف منه أن يفتنهم عن الإيمان لموسى واتباع دينه بالتعذيب والإرهاق الفتون الابتلاء والاختبار الشديد للحمل على الشيء أو على تركه، واستعمل في الاضطهاد والتعذيب للارتداد عن الدين بكثرة كما تقدم في تفسيروَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [البقرة: 193].

{ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي والحال أن فرعون عات شديد العتو مستبد غالب قوي القهر في أرض مصر فهو جدير بأن يخاف منه. فالمراد بعلوه قهره واستبداده كما حكى الله عنه بقولهوَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [الأعراف: 127].

{ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي المتجاوزين حدود الرحمة والعدل، إلى الظلم والقتل، والعدوان والبغي، وغمط الحق واحتقار الخلق (وهو معنى الكبرياء).

{ وَقَالَ مُوسَىٰ } [يونس: 84] لمن آمن من قومه وقد رأى خوفهم من الفتنة والاضطهاد مرشداً ومثبتاً لهم { يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [يونس: 84] أي إن كنتم آمنتم بالله حق الإيمان فعليه توكلوا، وبوعده فثقوا، إن كنتم في إيمانكم مستسلمين مذعنين بالفعل، وإنما يكون الإيمان يقيناً إذا صدقه العمل وهو الإسلام، وهذا لا يدل على إيمان جميع قومه كما قيل، فالإيمان بالله غير الإيمان لموسى المتضمن لمعنى الإسلام والاتباع المشار إليه بقوله: { إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } وهم قد طلبوا منه بعد نجاتهم أن يجعل لهم آلهة من الأصنام، ثم اتخذوا العجل المصنوع وعبدوه.

السابقالتالي
2 3