الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ }

هذا سياق جديد متصل بما سبق من مقاصد هذه السورة أتم الاتصال، بتفصيله لبعض ما فيها من إجمال، وهو الاحتجاج على مشركي مكة وما حولها وسائر من تبلغهم الدعوة من المكذبين، بأن الله تعالى سيخذلهم وينصر رسوله عليهم كما نصر من قبله من الرسل على أقوامهم المجرمين، فأهلكهم وأنجى المؤمنين، فقد تقدم في أوائلها قولهوَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } [يونس: 13] إلى آخر الآية 14 ثم قال في الرد على تكذيبهم إياه بما وعدهم من العذابكَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 39] ثم قالوَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [يونس: 47].

جاء هذا في سياق إقامة الحجج العقلية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى الوحي وكون القرآن من عند الله لا من عنده ورأيه وكلامه، والحجج على مضمون الدعوى من التوحيد والرسالة والبعث والجزاء والتفنن فيها، والتكرار البليغ لمقاصدها، وإنذار أولئك المكذبين بها فناسب أن يفصل لهم شيئاً من ذلك الإجمال من هذا الوجه فجاء به معطوفاً لأنه مرتبط به متمم له، بخلاف سرد قصص الرسل في سورة الأعراف حيث بدأه بقولهلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [الأعراف: 59] لأن هذه القصص أوردت هناك مستقلة، لا تفسيراً ولا تفصيلاً لمجمل قبلها وأما مناسبة هذه الآيات لما قبلها مباشرة بكونها من جنس موضوعها العام فلا تدل على هذه الخصوصية العلمية التي بها كانت البلاغة فلسفة عقلية نفسية.

قال عز وجل: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } [يونس: 71] أي واقرأ أيها الرسول على هؤلاء المشركين المكذبين لك من قومك، فيما أوعدتهم من عقاب الله لهم على سابق سنته في المكذبين لرسله من قبلك، خبر نوح ذي الشأن العظيم { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [يونس: 71] أي نبأه حين قال لهم هذا القول فكذبوه، فأغرقناهم ونجيناه هو ومن آمن معه وجعلناهم خلائف الأرض، لا جميع أنباء قصته معهم (المفصلة في سورة هود التي نزلت قبل هذه السورة ووضعت بعدها في المصحف) ليعلموا من هذا النبأ الخاص سنته تعالى في نصر رسله على المكذبين من قبلهم، وأنه كذلك ينصرك عليهم، فيهلك المكذبين لك المغرورين بكثرتهم وقوتهم وقلة من اتبعك وضعفهم، وإن هؤلاء الضعفاء سيكونون خلائف الأرض في قومهم وغير قومهم من سكان الأرض.

قال نوح عليه السلام لقومه بعد أن طال مكثه فيهم يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وحده والإصلاح في الأرض فملوا مقامه، وسئموا وعظه وائتمروا به: يا قومي إن كان قد كبر أي شق وعظم عليكم قيامي فيكم، أو مكاني من القيام بما أقوم به من دعوتكم إلى عبادة ربكم، وتذكيري إياكم بآياته الدالة على وحدانيته ووجوب عبادته وشكره، والرجاء في ثوابه للمؤمنين المتقين، والخوف من عقابه للمشركين المجرمين.

السابقالتالي
2 3 4