الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

هذه الآيات بيان لحال منكري البعث والغافلين وحال المؤمنين الصالحين في الدنيا وجزائهما في الآخرة، فيه تفصيل لما سبق في الآية الرابعة. قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } قال الفيومي في المصباح: رجوته أرجوه رجواً - على فعول - أمَلته أو أردته، قال تعالى:لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } [النور: 60] أي يريدونه، والاسم الرجاء بالمد، ورجيته أرجيه من باب رمى لغة، ويستعمل بمعنى الخوف، لأن الراجي يخاف أنه لا يدرك ما يترجاه اهـ. وقال الراغب: الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة، وقوله تعالى:مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح: 13] قيل: ما لكم لا تخافون؟ ومثل الزمخشري في الأساس لحقيقة الرجاء بالمغفرة من الله، والرشد في الولد والإحسان من أهل الإحسان، ثم قال: ومن المجاز استعمال الرجاء في معنى الخوف والاكتراث، يقال: لقيت هولاً ما رجوته وما ارتجيته. ومثل له بشعر. والتحقيق أن الرجاء الأمل والتوقع لما فيه خير ونفع، وأن الخوف توقع ما فيه شر وضر، فهما متقابلان كما قال تعالى:وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [الاسراء: 57] وما في هذه الآية والآيتين 11 و15 من هذه السورة والآية 21 من سورة الفرقان من رجاء لقاء الله منفياً يحتمل الرجاء والخوف جميعاً لأن لقاء الله تعالى في يوم الحساب مظنة الخوف لقوم والرجاء لآخرين، ولذلك قال في الكافرينإِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } [النبأ: 27] وفسر بعض المحققين الرجاء هنا بمجرد التوقع الذي يشمل ما يسر وما يسوء. واللقاء الاستقبال والمواجهة.

والمعنى إن الذين لا يتوقعون لقاءنا في الآخرة للحساب، وما يتلوه من الجزاء على الأعمال، لإنكارهم البعث، ويلزمه أنهم لا يؤملون لقاءه الخاص بالمتقين في دار الكرامة، وخصه بعضهم بلقاء الرؤية { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا } بدلاً من الآخرة، فصار كل همهم من الحياة محصوراً فيها، وكل عملهم لها، كما قال في المتثاقلين عن النفير للجهادأَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } [التوبة: 38] الآية { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } بسكون نفوسهم وارتياح قلوبهم بشهواتها ولذاتها وزينتها ليأسهم من غيرها { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } فلا يتدبرون المنزلة منها على رسولنا وما فيها من المواعظ والعبر، والمعارف والحكم، ولا يتفكرون في الكونية وما تدل عليه من حكمته وسنته في خلقه، وما يقتضيه كل منهما من الجهاد وصالح الأعمال، فكانوا بهذه الغفلة كالفريق الأول الذي لا يرجو لقاءنا، في أن كلاً منهما تشغله دنياه عن آخرته، فلا يستعد لحسابنا له، وما يتلوه من نعيم مقيم أو عذاب أليم.

{ أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، الإشارة بأولئك إلى الفريقين، أي مأواهم في الآخرة دار العذاب (النار) بما كانوا يكسبون مدة حياتهم الدنيا من الخطايا والذنوب المدنسة لأنفسهم بخرافات الوثنية، وأعمال الشهوات الحيوانية وظلمات المظالم الوحشية، واستمرارهم عليها الذي دنس أنفسهم وأحاط بها، فلم يعد لنور الحق والخير مكان فيها.

السابقالتالي
2 3 4