الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

هذه الآيات حكاية لنوع آخر من الكفر بالله تعالى قريب من كفر اتخاذ الشركاء له، وهو زعمهم أنه اتخذ ولداً، وقد اشترك فيه عباد الأصنام والأوثان وبعض أهل الكتاب، فحكاه عنهم مفصولاً لأنه نوع مستقل وتعقبه بالإبطال.

{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [يونس: 68] فزعم المشركون أن الملائكة بنات الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال بعض اليهود: عزير ابن الله، وتقدم في سورة التوبة (ويرى بعض المؤرخين أن عزيرا هو أوزيروس أحد آلهة قدماء المصريين) { سُبْحَانَهُ } كلمة التسبيح معناها التنزيه والتقديس، أي تسبيحاً له عز وجل عن كل ما لا يليق بربوبيته وألوهيته، وتقال في مقام التعجب، ويصح هنا جمع المعنيين كليهما، وقفى على هذا التنزيه والتعجب بما يدل على بطلان قولهم بأفواههم ما ليس لهم به علم فقال:

{ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي هو الغني بذاته عن الولد، لأن كل ما في الوجود من العالم العلوي والسفلي ملك وعبيد له لا يحتاج منها إلى شيء، ويحتاج إليه كل شيء، ولا يشبهه أو يجانسه منها شيء، فالإنسان يحتاج إلى الولد لأمور منها بقاء ذكره به وبذريته، ومنها أنه قوة وعصبة له يعتز به هو وعشيرته، ومنها أن وجوده زينة له في داره يلهو به في صغره، ويفاخر به أقرانه في كبره، ومنها أنه قد يحتاج إليه لقضاء مصالحه وتنمية ثروته، وقد يحتاج إلى رفده وبره، عند عجزه أو فقره، والله تعالى لا يحتاج إلى شيء من هذه المنافع لأنه هو الغني عن كل شيء بذاته لذاته أزلاً وأبداً.

{ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ }: " إن " هنا نافية و " من " مؤكدة لهذا النفي مفيدة لعمومه، والسلطان الحجة والبرهان، والجملة تجهيل لهم ورد عليهم، أي ما عندكم أي نوع من أنواع الدليل والبرهان متعلق بهذا القول الذي تقولونه من غير عقل وعلم ولا وحي إلهي، تعارضون به هذا البرهان العقلي، وهو تنزيه الله وغناه المطلق عن الولد وغيره، وكونه المالك لكل شيء مما في السماوات والأرض.

{ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } هذا استفهام تبكيت وتوبيخ على أقبح الجهل والكفر، وهو قولهم على الله تعالى ما ليس لهم به علم، ولا سيما بعد مجيء ما ينقضه من العلم البرهاني، والوحي الإلهي، قال البيضاوي وغيره: وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد لها من قاطع، وإن التقليد فيها غير سائغ اهـ. وقد تقدم حكاية اتخاذ الولد عن الكفار عامة وعن النصارى خاصة في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام، وسيأتي في سور أخرى مع إبطاله وتفنيده بالدلائل ووجوه الحجة المختلفة الأساليب، أو التقريع والتأنيب، والإنذار والوعيد.

السابقالتالي
2