الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

بعد أن بين الله تعالى لرسوله حال أوليائه وصفتهم وما بشرهم به في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكونه لا تبديل لكلماته فيما بشرهم ووعدهم كما أنه لا تبديل لها فيما أوعد به أعداءه المشركين، وكان هذا يتضمن الوعد بنصره ونصر من آمن له وهم أولياء الله وأنصار دينه على ضعفهم وفقرهم، وكانت العزة أي القوة والغلبة في مكة لا تزال للمشركين بكثرتهم التي يعبرون عنها بقولهم: وإنما العزة للكاثر، وكانوا لغرورهم بكثرتهم وثروتهم يكذبون بوعد الله وكان ذلك يحزنه صلى الله عليه وسلم بالطبع كما قال:قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [الأنعام: 33] الآية قال تعالى مسلياً له ومؤكداً وعده له ولأوليائه، ووعيده لأعدائهم وأعدائه:

{ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } [يونس: 65] نهاه عن الحزن والغم من قولهم الذي يقولونه في تكذيبه الذي تقدم مفصلاً في هذه السورة فحذف مقول القول للعلم به وبين له سبب هذا النهي بقوله: { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي إن الغلبة والقوة والمنعة لله جميعها لا يملك أحد من دونه شيئاً منها، فهو يهبها لمن يشاء ويحرمها من يشاء، وليست للكثرة دائماً كما يدعون، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وقد وعد بها رسله والذين آمنوا بهم واتبعوهم من أوليائه، كما قال:كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21] وإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [غافر: 51]وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8] فعزته تعالى ذاتية له، وعزة رسوله والمؤمنين به ومنه عز وجل، كما قالوَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26] وقرأ نافع (يحزنك) بضم الياء من أحزنه وهي لغة، وقرئ (أن العزة) بفتح همزة إن لحذف لامها وهي للتعليل الذي تدل عليه قراءة الجمهور بالكسر على الاستئناف البياني { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما يقولون من تكذيب بالحق وادعاء للشرك { ٱلْعَلِيمُ } بما يفعلون من إيذاء وكيد ومكر فهو يذلهم ويحبط أعمالهم، وهذا استئناف آخر في تقرير مضمون الأول وهو تسليته صلى الله عليه وسلم وتأكيد وعده بالعزة ووعيد تكذيبه ثم استدل على كون العزة له جميعاً والجزاء بيده بقوله مستأنفاً أيضاً ومفتتحاً بأداة التنبه.

{ أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 66] من عابد ومعبود فهو ربهم ومالكهم وهم عبيده المربوبون المملوكون له { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } له في ربوبيته وملكه، أي إن هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله بدعائهم في الشدائد، واستغاثتهم في النوازل، والتقرب إليهم بالنذور والقرابين والوسائل لا يتبعون شركاء له في تدبير أمور عباده ينفعونهم أو يكشفون الضر عنهم إذ لا شركاء له { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون في الحقيقة إلا ظنهم أن هؤلاء الذين يدعونهم أولياء لله وشفعاء عنده، فهم يتوسلون بهم وبتماثيلهم إليه، لأنهم يقيسونه على ملوكهم الظالمين المتكبرين، الذين لا يصل إليهم أحد من رعاياهم إلا بوسائل حجابه ووسائطه ووزرائه { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي وما هم في اتباع هذا الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، إلا يخرصون خرصاً، أي يحزرون حزراً، أو يكذبون كذباً.

السابقالتالي
2 3