الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

لما بين تعالى لعباده سعة علمه، ومراقبته لعباده، وإحصاءه أعمالهم عليهم، وجزاءهم عليها، وذكرهم بفضله، وما يجب عليهم من شكره، بين لهم في هذه الآيات الثلاث حال الشاكرين المتقين، الذين لهم أحسن الجزاء في يوم الدين، فقال { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } افتتحت هذه الجملة بكلمة (ألا) للتنبيه وتوجيه الفكر لها، والأولياء: جمع ولي وهو وصف من الولاء والتوالي، ومن الولاية والتولي، فيطلق على القريب بالنسب وبالمكانة والصداقة، وعلى النصير، والمتولي للأمر والحكم أو على اليتيم والقاصر المدبر لشؤونه، ويوصف به العبد والرب تعالى كما تقدم في قوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257] وفصلنا الكلام في تفسيره بما بينا به ولاية الله العامة والخاصة لعباده، وولايتهم له، أو للشيطان والطاغوت، وولاية بعضهم لبعض وضلال بعضهم بجعل ولاية الله الخاصة به لبعض عباده، وهم الذين يسمونهم أولياء الله بما يسلبهم استحقاق هذا اللقب، وذكرنا في شواهد ذلك التفسير هذه الآية.

أولياء الله أضداد أعدائه المشركين به، والكافرين بنعمه، فهم المؤمنون المتقون كما نطقت به الآية، وهم درجات أعلاهم درجة هم الذين يتولونه بإخلاص العبادة له وحده، والتوكل عليه، وحبه والحب فيه، والولاية له، فلا يتّخذون له أنداداً يحبونهم من نوع حبه، ولا يتخذون من دونه ولياً ولا شفيعاً يقربهم إليه زلفى، ولا وكيلاً ولا نصيراً فيما يخرج عن توفيقهم لإقامة سننه في الأسباب والمسببات، ويتولون رسوله والمؤمنين بما أمرهم به، قال تعالى:وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 51] وقالمَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } [السجدة: 4] وقالقُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [الأحزاب: 17] وقال في آيتين أخريين منهاوَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [النساء: 81] والآيات كثيرة في توليهم له بالطاعة، وتوليه لهم بالهداية والعناية والإعانة والنصر والتوفيق.

وحسبنا هنا ما نفاه عنهم وما وصفهم به ثم ما زفه إليهم من البشارة فأما ما نفاه مخبراً به عنهم فقوله { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهو ما نفاه عن جميع المؤمنين الصالحين والمصلحين والمتقين في الآيات الكثيرة (راجع البقرة: 62 والمائدة: 69 والأنعام: 48 والأعراف: 43 و49 وقد تقدم تفسيرها) فأما في الآخرة حيث يتحقق هذا على أتم وجه وهو المقصود بالذات فلا خوف يقع عليهم ويرهقون به مما يخاف الكفار والفساق والظالمون من أهوال الموقف وعذاب الآخرة، كما قال تعالى بعد ذكر إبعادهم عن جهنم:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [البقرة: 103] الآية.

ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم، وأما في الدنيا فلا يخافون مما يخاف غيرهم من الكفار وضعفاء الإيمان وعبيد الدنيا من مكروه يتوقع كلقاء العدو قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد