الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }

في هاتين الآيتين المنزلتين إرشاد إلى أنواع كثيرة من آيات الله الكونية الدالة على قدرته على البعث والجزاء وكونه من مقتضى حكمته، واطراد النظام التام في جميع خلقه، وهذه الآيات تفصيل لما أجمل في الآية الثالثة في خلق السماوات والأرض، واستواء الخالق على عرشه يدبر الأمر، ويقيم النظام في الخلق، التي سيقت للاستدلال على التوحيد وحقية الوحي.

{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً } الضياء اسم مصدر من أضاء يضيء وجمع ضوء، كسياط وسوط وحياض وحوض، وقرأ ابن كثير (ضئاء) على القلب بتقديم لام الكلمة على عينها. قال في القاموس وشرحه: (الضوء) هو (النور ويضم) وهما مترادفان عند أئمة اللغة، وقيل الضوء أقوى من النور قاله الزمخشري ولذا شبه الله هداه بالنور دون الضوء وإلا لما ضل أحد وتبعه الطيبي واستدل بقوله تعالى جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وأنكره صاحب الفلك الدائر وسوى بينهما ابن السكيت، وحقق في الكشف أن الضوء فرع النور وهو الشعاع المنتشر، وجزم القاضي زكريا بترادفهما لغة بحسب الوضع، وأن الضوء أبلغ بحسب الاستعمال، وقيل الضوء يكون بالذات كضوء الشمس والنار، والنور يكون بالعرض والاكتساب من الغير، هذا حاصل ما قاله شيخنا رحمه الله تعالى، وجمعه أضواء (كالضواء والضياء بكسرهما) لكن في نسخة لسان العرب ضبط الأول بالفتح والثاني بالكسر، وفي التهذيب عن الليث: الضوء والضياء ما أضاء لك، ونقل شيخنا عن المحكم أن الضياء يكون جمعاً أيضاً، قلت هو قول الزجاج في تفسيره عند قوله تعالى:كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } [البقرة: 20] اهـ.

وأقول: يدل على التفرقة بين الشمس والقمر في نورهما قوله تعالى:وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [نوح: 16] وقولهوَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [الفرقان: 61] والسراج ما كان نوره من ذاته واستبعد بعض المفسرين قول الزجاج إن الضياء في الآية جمع ضوء لأن المناسب لكون القمر نوراً أن يكون الضياء مفرداً مثله. وجهل هذا المستبعد وأمثاله ما يعلمه الله تعالى من أن شعاع الشمس مركب من ألوان النور السبعة التي يراها الناس في قوس السحاب فهو سبعة أضواء لا ضوء واحد، فهذا التعبير من مفردات القرآن الكثيرة التي كشف لنا ترقي العلوم الطبيعية والفلكية من المعنى فيها ما كان الناس أو العرب يجهلونه في عصر التنزيل كتعبيره عن كل نوع من النبات بأنه موزون، وتقدم بيانه في مباحث الوحي.

{ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } التقدير جعل الشيء أو الأشياء على مقادير مخصوصة في الزمان أو المكان أو الذوات أو الصفات، قال تعالى:وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } [المزمل: 20] وقال في القرى التي كانت بين سبأ والشاموَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } [سبأ: 18] وقال في المقادير العامة

السابقالتالي
2 3