الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

هاتان الآيتان في موضوع تشريع القرآن العملي التهذيبي جاء بعد بيان عقائده الثلاث: (التوحيد والرسالة والبعث) وتأييدها بالاستدلال على كونه من الله تعالى، وعلى صدق وعده ووعيده، والرد على مكذبيه، وقد أجمل في الآية الأولى في جميع مقاصد هذا التشريع وإصلاحه للناس بما يظهر به للعاقل أنه حق وخير وصلاح بذاته لا يصح لعاقل أن يماري فيه، ولا أن يحتاج للاستدلال عليه فقال:

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي قد جاءكم كتاب جامع لكل ما تحتاجون إليه من موعظة حسنة لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم الظاهرة، وحكمة بالغة لإصلاح خفايا أنفسكم وشفاء أمراضها الباطنة، وهداية واضحة للصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، ورحمة خاصة للمؤمنين هي شجنة من رحمة رب العالمين، العامة للخلق أجمعين، يتراحمون بها فيما بينهم، فتكمل بها رحمته تعالى لهم، ورحمته للعالمين برسوله إليهم وبهم، وقد عرف هذا من تاريخهم أشهر فلاسفة التاريخ من الإفرنج فقال: " ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب " فكأن الله تعالى يقول للناس، بعد بيان هذه المقاصد الأربعة للقرآن.

فما بالكم أيها الناس تكذبون بما لم تحيطوا به علماً من أخبار هذا الكتاب، التي هي من علم الغيب عن المآل والمآب، ولا تفكرون في آدابه ومواعظه، وأحكامه وحكمه، وهداية نواميسه وسننه، وما فيها من المنافع والمصالح، التي لا يماري فيها عالم ولا يكابر فيها عاقل؟ حتى إن أشد أعداء الرسول إيذاء له وصداً عن دعوته في أول ظهورها لم يستطيعوا الطعن على ما دعا إليه من الفضائل والخير والبر، وما نهى عنه من الرذائل والشرور والفجور، كأبي سفيان عندما سأله هرقل قيصر الروم، وعمرو بن العاص عندما سأله أصحمة نجاشي الحبشة، فإن كان ذلك قد خفي على بعض الجاحدين والمقلدين لهم من المشركين قبل تعميم نشر القرآن فيهم، وقبل ظهور ما كان له من التأثير العظيم بعد انتشار الإسلام في العرب، ومن الإصلاح الديني والمدني في شعوب العجم، أفليس من العجب العجاب أن يماري به أحد بعد ذلك ويصدق ما يفتريه عليه دعاة الكنيسة ورجال السياسة من الإفرنج وتلاميذهم وهم أكذب البشر؟

أجملت الآية الكريمة هذا الإصلاح القرآني لأنفس البشر في أربع قضايا أو مسائل نكرن في اللفظ لتعظيم أمرهن، أو لبيان أنهن نوع خاص لم يعهد الناس مثلهن في كمالهن المعنوي وبيانهن اللفظي وقوله (من ربكم) للتذكير بما يزيدها تعظيماً، ووجوب الاتعاظ بها إيماناً وتسليماً، لأنها من مالك أمر الناس ومربيهم بفضله ورحمته، وعلمه وحكمته.

الأولى الموعظة الحسنة: وهي اسم من الوعظ أي الوصية بالحق والخير، واجتناب الباطل والشر، بأساليب الترغيب والترهيب التي يرق لها القلب، فتبعث على الفعل والترك، وقد تقدم في حقوق النساء من سورة البقرة

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7