الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ }

بعدما تقدم من إقامة البرهان على إن القرآن من عند الله، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان عاجزاً كغيره عن الإتيان بمثله في هدايته، وفي علمه ولغته - وما تلاه من إقامة الحجج على بطلان شركهم - وما بعده من بيان حالهم في اتباع أكثرهم لأدنى الظن وأضعفه في عقائدهم وتكذيبهم - عاد إلى تفنيد رأيهم الأفين في الطعن على القرآن بمقتضى الظن الضعيف من الأكثرين، والجحود المنادي من الأقلين، كالزعماء المستكبرين، فقال: { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } النفي هنا للشأن الذي هو أبلغ وآكد من نفي الشيء مباشرة كما تقدم مراراً، وإن غفل عن ذلك من أعربه إعراباً آخر لقصر نظره على ظاهر اللفظ، دون ما يقتضيه المقام من المبالغة في الرد، أي وما كان هذا القرآن العظيم في علو شأنه، المجلى له في أسلوبه ونظمه، وعلومه العالية، وحكمته السامية، وتشريعه العادل، وآدابه المثلى، وتمحيصه للحقائق الإلهية والاجتماعية، وإنبائه بالغيوب الماضية والآتية، وجعل المقصد من إصلاحه ما بينه آنفاً من اتباع الحق والهدى، واجتناب الضلال باتباع الهوى، والاعتماد فيهما على العلم الصحيح - ما كان وما صح ولا يعقل أن يفتريه أحد على الله من دونه ويسنده إليه، إذ لا يقدر غيره عز وجل عليه، فإن فرض أن بشراً يستطيع الإتيان بمثله فلن يكون إلا بشراً أرقى وأكمل من جميع الحكماء والأنبياء وكذا الملائكة ومثله لن يفتري على الله، بل قال أشد الكفار عناداً وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أبو جهل لعنه الله: إن محمداً لم يكذب على بشر قط أفيكذب على الله؟

{ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي ولكن كان تصديق الذي سبقه من الوحي لرسل الله تعالى بالإجمال كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم بدعوته إلى أصول دين الله الإسلام التي دعوا إليها من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، بعد أن نسي بعض ذلك بقايا أتباعهم وضلوا عن بعض، وشوهوه بالتقاليد المبتدعة مما لم يكن يعلمه محمد الأمي صلى الله عليه وسلم، أو تصديق ذلك بكونه جاء وفاقاً لما دعا به إبراهيم لأهل حرم الله، ولما بشر به موسى وعيسى والنبيون كما بيناه بالتفصيل، في تفسير قوله تعالى:ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [الأعراف: 157] من جزء التفسير التاسع، ويجوز الجمع بين المعنيين.

{ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } الإلهي أي جنسه، وهو ما شرعه الله تعالى ليكتب ويهتدي به جميع البشر من العقائد والشرائع والعبر والمواعظ وشؤون الاجتماع وسنن الله في خلقه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } هو لا ريب فيه، أو حال كونه لا ريب فيه أي ليس فيه مثار للشك ولا موضع للريب، لأنه الحق والهدى { مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } من وحيه لا يقدر عليه غيره

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد