الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } لم يعطف هذا الأمر ولا ما بعده على ما قبله من تلقين النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج على المشركين لأن حكم البلاغة فيه الفصل كأمثاله مما يسرد سرداً من جنس واحد من المفردات والجمل. أي قل لهم أيها الرسول هل أحد من شركائكم الذين عبدتموهم مع الله أو من دون الله من له هذا الشأن في الكون وهو بدء الخلق في طور ثم إعادته في طور آخر، سواء كان من الأصنام المنصوبة، أو من الأرواح التي تزعمون أنها حالة فيها، أو من الكواكب السماوية أو غيرها من الأحياء كالجن والملائكة؟ ولما كان هذا السؤال مما لا يجيبون عنه كما أجابوا عن أسئلة الخطاب الأول، لإنكارهم البعث والمعاد - لا لاعتقادهم أن شركاءهم تفعل ذلك - لقن الله رسوله الجواب.

{ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } فأدمج إثبات البعث في توحيد الربوبية لأنه يقتضيه ويستلزمه فإن الرب القادر على بدء الخلق يكون قادراً على إعادته بالأولى على أن الذي ينكرونه هو إعادته تعالى للأحياء الحيوانية دون ما دونها من الأحياء النباتية، فهم يشاهدون بدء خلق النبات في الأرض عندما يصيبها ماء المطر في فصل الشتاء، وموته بجفافها في فصل الصيف والخريف ثم إعادته بمثل ما بدأه به مرة بعد أخرى، ويقرون بأن الله هو الذي يفعل هذا البدء والإعادة، لأنهم يشاهدون كلاً منهما، فهم أسرى الحس والعيان، ثم ينكرون قدرته على إعادة خلق الناس، لأنهم لم يشاهدوا أحداً منهم حيي بعد موته وقد فقدوا العلم ببرهان القياس، وإننا لا نزال نرى أمثالاً لهم في جاهليتهم ممن تعلموا المنطق وطرق الاستدلال، وعرفوا ما لم يكونوا يعرفون من سلطان الأرواح في عالم الأجسام، وقد أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى جهلهم بأنفسهم وينبههم للتفكير في أمرهم بقوله { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي فكيف تصرفون عن ذلك وهو من دواعي الفطرة وخاصة العقل في التفكير، للعلم بالحقائق والبحث عن المصير؟

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ }؟ هذا سؤال عن شأن آخر من شؤون الربوبية، المقتضية لاستحقاق الألوهية، وتوحيد العبادة الاعتقادية والعملية، وهو الهداية التي تتم بها حكمة الخلق كما يدل عليه ذكرها عقبه في آيات أخرى كقوله تعالى:ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78]رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50]،ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى: 2-3] وهي أنواع هداية الفطرة والغريزة، وهداية الحواس، وهداية العقل، وهداية التفكر والاستدلال بكل ذلك، وهداية الدين، وهو للنوع البشري في جملته كالعقل لأفراده، وهداية التوفيق الموصل بالفعل إلى الغاية بتوجيه النفس إلى طلب الحق وتسهيل سبيله ومنع الصوارف عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6