الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

هذا نوع آخر من أسلوب إقامة الحجج على المشركين في إثبات التوحيد والبعث، وهو أسلوب السؤال والجواب، ويليه إثبات النبوة والرسالة والقرآن.

{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المعاندين من أهل مكة: من يرزقكم من السماء بما ينزله من المطر، ومن الأرض بما ينبته فيها من أنواع النبات نجمه وشجره مما تأكلون وتأكل أنعامكم؟

{ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } بل قل لهم أيضاً من يملك ما تتمتعون به أنتم وغيركم من حواس السمع والأبصار التي لولاها لم تكونوا تعلمون من أمر العالم شيئاً، بل تكون الأنعام والحشرات وكذا الشجر خيراً منكم باستغنائها عمن يقوم بضرورات معاشها، من يملك خلق هذه الحواس وهبتها للناس، وحفظها من الآفات؟

وخص هاتين الحاستين بالذكر لأن عليهما مدار الحياة الحيوانية وكمال البشرية، وتحصيل العلوم الأولية، يشعر بذلك المسؤولون بمجرد إلقاء السؤال، وكلما ازدادوا فيه تفكراً ازدادوا علماً وإعجاباً وإكباراً لإنعام الله تعالى بهما، وإيماناً بأنه لا يقدر غيره عليهما، ولا سيما إدراك الكلام بحاسة السمع، وما يرسمه صوت المتكلم في الهواء من معلوماته التي يدلي بها إلى غيره، فتتكيف بها كل ذرة من ذراته (أي الهواء) فتقرع به طبلة كل أذن من آذان السامعين وإن كثروا، فينقلها العصب المتصل بها إلى مركز إدراك الكلام من دماغه، فيدرك معناها المدلول عليه بها بأقوى مما يدركه من قرأها مخطوطة في كتاب، لما لجرس الصوت من التأثير الخاص، فمن ذا الذي خلق هذه الآلات؟ ومن ذا الذي ألهمها إيداع هذه المعاني في الأصوات؟ ومن ذا الذي وضع هذا النظام في الهواء؟

ثم إذا ازداد علماً بإدراك البصر للمبصرات، وما لها من المقادير والألوان والصفات، وما للعين الباصرة من الشكل المحدب، وما لها من الطبقات والرطوبات، الموافقة لسنن الله في النور الذي تدرك به المرئيات، مما هو مبسوط في الأسفار وموجز في المختصرات، ازداد يقيناً بأن ذلك من آيات الله الدالة على علمه وحكمته في الكائنات، وإن غفل عنها المشغولون عن عظمة الصانع بعظمة المصنوعات، وقد وحَّد السمع لأن إدراكه لجنس واحد هو الأصوات، وجمع البصر لتعدد أجناس المبصرات.

{ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي ومن ذا الذي يملك الحياة والموت في العالم كله، فيخرج الأحياء والأموات بعضها من بعض فيما تعرفون من المخلوقات التي تحدث وتتجدد، وفيما لا تعرفون؟ فمما كانوا يعرفون أن النبات يخرج من الأرض الميتة بعد إحياء الله تعالى إياها بماء المطر النازل عليها من السماء أو النابع منها بعد أن سلكه الله تعالى فيها كما قالأَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ }

السابقالتالي
2 3 4