الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

هذا لون آخر من ألوان البيان لعقيدة البعث والجزاء، وقد بينا حكمة هذا التكرار المختلف الأساليب والألوان وأمثاله في الكلام على أسلوب القرآن وإعجازه.

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي واذكر أيها الرسول لفريقي الناس الذين ضربنا لهم ما سبق من الأمثال، وبينا ما يعملون من الأعمال، يوم نحشرهم جميعاً في موقف الحساب لا يتخلف منهم أحد، أو الظرف متعلق بقوله تعالى في الآية التالية { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } وفي بعض الآياتوَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ } [الفرقان: 17] { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ } أي ثم نقول للمشركين منهم بعد وقوف طويل لا يخاطب فيه أحد بشيء كما تدل عليه بعض الآيات: الزموا مكانكم لا تبرحوه حتى تنظروا ما يفعل بكم { أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } أي الزموه أنتم وشركاؤكم، أي الذين جعلتموهم شركاء لله لنفصل بينكم فيما كان من سبب عبادتكم لهم وما يقول كل منكم فيها.

{ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أي فرقنا بين الشركاء ومن أشركوهم مع الله، وميزنا بعضهم من بعض كما يميز بين الخصوم عند الحساب، والتزييل من زاله يزاله كناله يناله بمعنى نحاه (وهو يائي) وزايلته فارقته وتزيلوا تميزوا بافتراق بعضهم من بعض، ومنه قوله في أهل مكة واختلاط مؤمنيهم بكفّارهم قبل الفتحلَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 25] أو المراد من التزييل والتفريق تقطيع ما كان بينهم في الدنيا من الصلات، وما للمشركين في الشركاء من الأعمال، وكل من المعنيين صحيح، والعبادة الشركية أنواع، والمعبودات والمعبودون أنواع يصح في بعضهم ما لا يصح في الآخر، ولذلك تكرر معنى حشر الفريقين وحسابهم في سور أخرى بعضها في عبادة الملائكة وعبادة الجن، وبعضها في عبادة البشر، وما اتخذ لهم من التماثيل والصور، ومثلها القبور المعظمة وسنشير إلى شواهده.

{ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } أي ما كنتم تخصّوننا بالعبادة وإنما كنتم تعبدون أهواءكم وشهواتكم وشياطينكم المغوية لكم، وتتخذون أسماءنا وتماثيلنا هياكل ومواسم لمنافعكم ومصالحكم، وليس هذا شأن العبودية الصادقة للمعبود الحق، الذي يطاع ويعبد لأنه صاحب السلطان الأعلى على الخلق، وبيده تدبير الأمر، ومصادر النفع والضر والمراد أنهم يتبرؤن منهم كما صرح به في آيات أخرى { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي فكفى بالله شهيداً وحكماً بيننا وبينكم فهو العليم بحالنا وحالكم { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } أي إننا كنا في غفلة عن عبادتكم لا ننظر إليها ولا نفكر فيها، وقيل إن المراد بالغفلة عنها عدم الرضا بها.

{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } أي في ذلك المكان وهو موقف الحساب أو في ذلك الوقت أو اليوم تختبر كل نفس من عابدة ومعبودة ومؤمنة وجاحدة، وشاكرة وكافرة، ما قدمت في حياتها الدنيا من عمل، وما كان لكسبها في صفاتها من أثر، من خير وشر، ونفع وضر، بما ترى من الجزاء عليه، وكونه ثمرة طبيعية له، لا شأن فيه لولي ولا شفيع، ولا معبود ولا شريك.

السابقالتالي
2