الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ }

الكلام في منكري الوحي من المشركين المنكرين للبعث، حكى عنهم عجبهم من الوحي إلى بشر مثلهم ورد عليهم بأنواع الحجج المتقدمة المتضمنة لبطلان شركهم وإنكارهم للبعث، ثم حكى عنهم مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإتيان بقرآن غير هذا القرآن الدال بأسلوبه ونظمه وعلومه وهدايته على أنه وحي من كلام الله عز وجل أو تبديله، وردَّ عليهم بما علمت.

ثم حكى عنهم في هذه الآية الاحتجاج على إنكار نبوته بعدم إنزال ربه عليه آية كونية غير هذا القرآن وما فيه من الآيات العلمية والعقلية على النبوّة والرسالة مع الرد عليها. والجملة معطوفة على جملة ما قبلها من حكايات أقوال المشركين وأعمالهم في جحود الرسالة، ومن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد والإيمان بالبعث، لا على آخر ما حكاه عنهم في قوله:وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا } [يونس: 18] خاصة لقربه وكون كل منهما بلفظ المضارع، فإن المحكي هنا غير مشارك للمحكي قبله في خاصة موضوعه أو ما يناسبه، ولا على ما حكاه عنهم من طلب الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله خاصة وإن كانا في موضوع واحد، لبعده وللاختلاف بينهما في حكاية ذاك بالماضي وهو:قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [يونس: 15] وحكاية هذا بالمضارع إلخ.

وقال الزمخشري في الكشاف في ترجيحه إن المضارع هنا بمعنى الماضي هناك وإنما آثر المضارع على الماضي ليدل على استمرار هذه المقالة وإنها من دأبهم وعادتهم مع ما في ذلك من استحضار صورتها الشنيعة اهـ. وقد أخطأ في الترجيح وباعد، وإن سدد في التعليل وقارب، والتحقيق إن المعنى الجامع بين الجمل المتعاطفة في هذا السياق حكاية أنواع جحودهم في جملتها، وإن التعبير بالمضارع في هذه وما قبلها وفيما سيأتي من قولهأَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [يونس: 38] وقولهوَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48] إنما هو لما يتكرر من أقوالهم في الجحود، فإن اقتراح نزول آية كونية عليه قد تكرر منهم وذكر في سور منها ما نزل قبل هذه السورة (يونس) ومنها ما نزل بعدها كما سنوضحه بشواهده، فمعنى الآية هكذا:

{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } أي قد قالوا ولا يزالون يقولون هلاّ أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية كونية كآيات الأنبياء الذين يحدثنا عنهم، حكى سبحانه عنهم هذا الاقتراح هنا مجملاً وأجاب عنه جواباً مجملاً لأن كلاًّ منهما قد سبق مفصلاً في سور أخرى، وقد جهل هذا كفار الإفرنج وتلاميذهم من ملاحدة مصر، فقالوا في مثله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة يفر من مناظرة المشركين { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } والآيات من عالم الغيب عند الله تعالى وبيده وحده لأنها خوارق فوق قدرة البشر، وإنما أنا بشر والغيب لله لا يعلمه غيره، فإن كان قدر إنزال آية عليّ فهو يعلم وقتها وينزلها فيه وأنا لا أعلم إلا ما أوحاه إلي.

السابقالتالي
2 3 4