الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

هذا النداء خاتمة البلاغ للناس كافة، بمقتضى بعثة الرسول العامة، وهو إجمال لما فصل في هذه السورة وسائر السور المباركة.

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } [يونس: 108] أي قل أيها الرسول مخاطباً لجميع البشر، من حضر منهم فسمع هذه الدعوة منك، ومن ستبلغه عنك، قد جاءكم الحق المبين لحقيقة الدين من ربكم، بوحيه إلى رجل منكم، وهو الذي افتتحت هذه السورة به، وقد كان هذا الحق مجهولاً خفياً عنكم، بما جهل بعضكم من دعوة الرسل الأقدمين، وما حرف بعضكم وجهل وبدل وتأوّل من كتب الأنبياء المتأخرين، وفصله لكم هذا الكتاب العربي المبين.

{ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } أي فمن اهتدى بما جاء به هذا الرسول في هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنما فائدة اهتدائه لنفسه، لأنه ينال به السعادة في دنياه ودينه، دون عمل غيره، ولا فدائه ولا تأثيره.

{ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي ومن ضل عن هذا الحق بإعراضه عن آياته في هذا القرآن، وحججه فيه بآياته في الأنفس والآفاق، فإنما وبال ضلاله على نفسه بما يفوته من فوائد الاهتداء في الدنيا، وما يصيبه من العذاب على كفره وجرائمه في الآخرة.

{ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أي وما أنا بموكل من عند الله بأموركم، ولا مسيطر عليكم فأكرهكم على الإيمان، وأمنعكم بقوتي من الكفر والعصيان، وليس عليَّ هداكم، ولا أملك نفعكم ولا ضركم، وإنما أنا بشير لمن اهتدى، ونذير لمن ضل وغوى، وقد أعذر من أنذر.

{ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } [يونس: 109] في هذا القرآن علماً وعملاً وتعليماً { وَٱصْبِرْ } كما صبر أولو العزم من الرسل على ما يصيبك من الأذى في ذات الله، والجهاد به في سبيل الله { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } بينك وبين المكذبين، وينجز لك ما وعدك.

{ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } أي كل من يقع منهم حكم، لأنه لا يحكم إلا بالحق، وغيره قد يحكم بالباطل لجهله الحق أو لمخالفته له باتباع الهوى. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، وصبر حتى حكم الله بينه وبين قومه، وأنجز وعده له ولمن اتبعه من المؤمنين، فاستخلفهم في الأرض وجعلهم الأئمة الوارثين، مدة إقامتهم لهذا الدين، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبياً عن قومه، وجعلنا من المهتدين بما جاء به من كتاب ربه، وسنته المبينة له، علماً وعملاً، وإرشاداً وتعليماً، وصلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعه وسلم تسليماً.

تم تفسير سورة يونس بفضل الله وتوفيقه تفصيلاً

ويليه بيان ما فيها من العقائد والقواعد إجمالاً

الخلاصة الإجمالية لسورة يونس عليه السلام وفيها ستة أبواب

جميع آيات هذه السورة في أصول عقائد الإسلام التي كان ينكرها مشركو العرب، وهي توحيد الله تعالى، والوحي والرسالة، والبعث والجزاء، وما يناسب هذه الثلاث ويمدها من صفاته تعالى وأفعاله وتنزيهه وآياته وسننه في خلقه، وشؤون البشر في صفاتهم وعاداتهم وأعمالهم، ومحاجة مشركي مكة في ذلك كله، ولا سيما هداية القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، والعبرة بأحوال الرسل مع أقوامهم، فهي كسورة الأنعام في السور المكية إلا أنها أكثر منها ومن سائر السور إثباتاً للوحي والرسالة، وتحدياً بالقرآن وبياناً لإعجازه وحقيته وصدق وعده ووعيده، وهذه المقاصد أو العقائد مكررة فيها بالأسلوب البديع، والنظم البليغ، بحيث يحدث في نفس سامعها وقارئها أروع الإقناع والتأثير، من حيث لا يشعر بما فيه من التكرير، وإنني أوجز في تلخيص هذه الأصول في أبوابها، لما سبق في هذا الجزء من بسطها في مباحث الوحي من تفسير أول السورة، ولا سيما مسائل إعجاز القرآن، وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم التي امتازت بها على سائر السور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد