الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

هذه الآيات الأربع والآيتان اللتان بعدها ختم للسورة بالنداء العام، في الدعوة إلى عقيدة الإسلام، أجملت أمراً ونهياً وخبراً في خاتمتها، كما فصلت في جملتها، قال تعالى:

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } [يونس: 104] أي إن كنتم في شك من صحة ديني الذي دعوتكم إليه، أو من ثباتي واستقامتي عليه، وترجون تحويلي عنه { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي فلا أعبد في وقت من الأوقات، ولا حال من الأحوال، أحداً من الذين تعبدونهم غير الله، من ملك أو بشر، أو كوكب أو شجر أو حجر، مما اتخذتم من الأصنام والأوثان { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } أي يقبضكم إليه بالموت ثم يبعثكم فيحاسبكم ويجزيكم، ولا يفعل أحد غيره هذا ولا يقدر عليه، وإنما قال: { إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } وشرطه يدل على الشك في شكهم وهو صلى الله عليه وسلم لا يشك فيه، لأنه نزل دينه منزلة ما لا ينبغي أن يشكوا فيه لشدة ظهوره، وتألق نوره، كما بينا مثله في تفسير:وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23] الآية وما بعدها.

ووصف الله بتوفيهم دون غيره من صفاته وأفعاله لتذكير كل منهم بما لا يشك فيه من عاقبة أمره وأنه سيكون كما وعده في الدنيا والآخرة { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الذين وعدهم الله بالنجاة من عذابه، وينصرهم على أعدائهم وأعدائه، واستخلافهم في أرضه، وإنه لإيجاز بليغ.

{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } [يونس: 105] أي أمرت بأن أكون من المؤمنين، وبأن أقيم وجهي للدين القيم الذي لا عوج فيه حالة كوني حنيفاً، أي مائلاً عن غيره من الشرك والباطل، ولكن اختير هنا صيغة الطلب وفيما قبله الخبر، ذلك بأن الخبر هو المناسب لعلاقة هذا الأمر بالماضي وهو أن يكون من جماعة المؤمنين، الموعودين بما تقدم من سنة الله في النبيين، والطلب هو المناسب لعلاقته هو وما عطف عليه من النهي بالحال والاستقبال، من دعوة هذا الدين الموجهة إلى أهل مكة وسائر الناس (ولا فرق بينهما في الإعراب كما حققه سيبويه وغيره) وإقامة الوجه للدين هنا وفي سورة الروم (43) عبارة عن التوجه فيه إلى الله تعالى وحده في الدعاء وغيره بدون التفات إلى غيره، والمراد به توجه القلب، وفي معناه:إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [الأنعام: 79] ومثله إسلام الوجه لله في سورة البقرة (112) وآل عمران (20) والنساء (124) وإسلامه إلى الله في سورة لقمان (22) وكذا توجيه الوجه الحسي إلى القبلة في آياتها وهو الأصل في اللغة، والمراد به وجهة الإنسان، فمن توجه قلبه في عبادة من العبادات (ولا سيما مخ العبادة وروحها وهو الدعاء) إلى غير الله فهو عابد له مشرك بالله، وأكده بالنهي عن ضده معطوفاً عليه فقال:

{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أصحاب الديانات الوثنية الباطلة الذين يجعلون بينهم وبين الله تعالى حجاباً من الوسطاء والأولياء والشفعاء يوجهون قلوبهم إليهم عند الشدة تصيبهم، والحاجة التي تستعصي على كسبهم، ووجوههم وجملتهم إلى صورهم وتماثيلهم في هياكلهم، أو قبورهم في معابدهم، ويدعونهم لقضاء حوائجهم إما بأنفسهم وإما بشفاعتهم ووساطتهم عند ربهم، ثم بين هذا بالإشارة إلى سببه عند المشركين والنهي عن مثله معطوفاً عليه فقال:

{ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } [يونس: 106] أي ولا تدع غيره تعالى (دعاء عبادة، وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض) لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء - ما لا ينفعك إن دعوته لا بنفسه ولا بوساطته، ولا يضرك إن تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره.

السابقالتالي
2 3 4