الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }

{ الۤر } تقرأ هذه الحروف الثلاثة بأسمائها ساكنة غير معربة هكذا: ألف، لام، را. والحرف الأخير غير مهموز. وفائدة النطق بها وبأمثالها هكذا تنبيه الذين تتلى عليهم السورة لما بعدها لأجل العناية بفهمه حتى لا يفوتهم من سماعه شيء. وهي أقوى في هذا التنبيه من حرف الهاء الموضوع له في اسم الإشارة، ومن كلمة: " ألا " الافتتاحية، وقد فصلنا هذه المسألة في أول تفسير سورة الأعراف.

{ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } أي تلك الآيات البعيدة الشأو، الرفيعة الشأن، التي تألفت منها هذه السورة، أو القرآن كله، هي آيات الكتاب الموصوف بالحكمة في معانيه، والأحكام في مبانيه، الحقيق بهداية متدبره وواعيه.

{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } الاستفهام للتعجب من عجب الكفار واستنكار إنكارهم للوحي إلى رجل من جنسهم، والوحي الإعلام الخفي الخاص لامرئ بما يخفى على غيره. أي أكان إيحاؤنا إلى رجل من الناس أمراً نكراً اتخذوه أعجوبة بينهم يتفكهون باستغرابها؟ كأن مشاركتهم له في البشرية يمنع اختصاص الله إياه بما شاء من العلم.

والمراد بالناس كفار مكة ومن تبعهم في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعبر عنهم بالناس لأن هذه الشبهة على الرسالة قد سبقتهم إليها أقوام الأنبياء قبله كما تقدم في قصة نوح وهود من سورة الأعرافأَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } [الأعراف: 63 و69] وهذا المعنى مكرر في القرآن وقد دحضنا هذه الشبهة في آخر تفسير سورة الأنعام.

{ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } (أن) هذه مفسرة لما قبلها، والإنذار الإعلام بالتوحيد والبعث وسائر مقاصد الدين المقترن بالتخويف من عاقبة الكفر والمعاصي، أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس كافة.

{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } التبشير مقابل الإنذار، أي الإعلام المقترن بالبشارة بحسن الجزاء على الإيمان والعمل الصالح. والمعنى وبشر الذين آمنوا منهم خاصة بأن لهم قدم صدق عند ربهم يجزيهم به في الآخرة - والصدق في أصل اللغة ضد الكذب، ثم أطلق على الإيمان وصدق النية والوفاء وسائر مواقف الفضائل، ومنه في التنزيل: مقعد صدق، ومدخل صدق، ومخرج صدق، وقدم صدق. والقدم هاهنا السابقة والتقدم. قال البيضاوي: سابقة ومنزلة رفيعة سميت قدماً لأن السبق بها كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد، وإضافتها إلى الصدق لتحققها، والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية.

{ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } قرأ ابن كثير والكوفيون (لساحر) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، والباقون (لسحر) ويعنون به القرآن، وكلاً من القولين قد قالوا، وكل من القولين يشير إلى إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم فإن قولهم إن القرآن سحر جاء به ساحر يتضمن اعترافهم بأنهما فوق المعهود والمعلوم للبشر في عالم الأسباب المقدورة لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد