الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

{ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } أي: قال من يكون من الإنسان شاهداً لهذا الزلزال، الذي فجأه ودهشه، ولم يعهد مثله: ما لهذه الأرض رجت هذه الرجة الهائلة، وبعثر ما فيها من الأثقال المدفونة { يَوْمَئِذٍ } بدل من { إِذَا } أي: في ذلك الوقت { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي: تبين الأرض بلسان حالها، ما لأجله زلزالها وإخراج أثقالها. فتدل دلالة ظاهرة على ذلك. وهو الإيذان بفناء النشأة الأولى وظهور نشأة أخرى. فالتحديث استعارة أو مجاز مرسل مطلق الدلالة.

قال أبو مسلم: أي يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله. فكأنها حدثت بذلك. كقولك: (الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة) فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة، تحدث أن الدنيا قد انقضت، وأن الآخرة قد أقبلت.

{ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } الباء سببية متعلق بـ { تُحَدِّثُ } أي: تحدث بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث والإيحاء استعارة أو مجاز مرسل لإرادة لازمِهِ. وهو إحداث ما تدل به على خرابها.

وقال القاشاني: أي: أشار إليها وأمرها بالاضطراب والخراب وإخراج الأثقال. يعني: الأمر التكويني. وهو تعلق القدرة الإلهية بما هو أثر لها { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } أي: ينصرفون عن مراقدهم إلى مواطن حسابهم وجزائهم، متفرقين سعداء وأشقياء { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } أي: ليريهم الله جزاء أعمالهم { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } أي: فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك. والذرة النملة الصغيرة وهي مثل في الصغر. وقيل الذر: هو الهباء الذي يرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } أي: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر، يرى جزاءه ثمة.

تنبيهات

الأول: دل لفظ { مَن } على شمول الجزاء بقسميه، للمؤمن وغيره.

قال الإمام: أي ومن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره، فإنه يراه ويجد جزاءَهُ. لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر. غاية الأمر: أن حسنات الكفار الجاحدين لا تصل بهم إلى أن تخلصهم من عذاب الكفر، فهم به خالدون في الشقاء. والآيات التي تنطق بحبوط أعمال الكفار، وأنها لا تنفعهم، معناها هو ما ذكرنا. أي أن عملاً من أعمالهم لا ينجيهم من عذاب الكفر، وإن خفف عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم، على بقية السيئات الأخرى، أما عذاب الكفر نفسه فلا يخفف عنه منه شيء. كيف لا، والله جل شأنه يقول:وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47] فقوله:فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [الأنبياء: 47] أصرح قول في أن الكافر والمؤمن في ذلك سواء. وإن كلاًّ يوفي يوم القيامة جزاءه. وقد ورد أن حاتماً يخفف عنه لكرمه.

السابقالتالي
2