الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } * { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } * { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ }

قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي: في أحسن تعديل خلقاً، وشكلاً، صورة ومعنى. قال الشهاب: الظرف في موضع الحال من الإنسان. والتقويم فعل الله، فهو بمعنى القوام أو المقوم، أو فيه مضاف مقدر. أي: قوام أحسن تقويم، أو (في) زائدة والتقدير: قومناه أحسن تقويم.

{ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي: جعلناه أسفل من سفل، وهم أصحاب النار، لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين، فـ (رد) بمعنى: جعل التي تنصب مفعولين. قال الشهاب: و (السافلين) العصاة وغيرهم، وأسفل سافل للمتعدد والمتفاوت. و { ثُمَّ } للتراخي الزمانيّ أو هو رتبي، وجوز نصب { أَسْفَلَ } بنزع الخافض صفة لمحذوف. أي: إلى مكان أسفل سافلين. أي: محل النار. أو النار بمعنى جهنم. وهذا ما قاله مجاهد حيث قال: (في النار) وفي رواية (إلى النار) والسافلين على هذا: الأمكنة السافلة. وهي دركاتها. وجمعها للعقلاء للفاصلة، أو للتنزيل منزلة العقلاء. كذا قالوا. ولو أريد بهم أهل النار والدركات؛ لأنهم أسفل السفل كالأول، لكان أولى.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي: غير مقطوع أو غير منقوص أو غير محسوب أو غير ممنون به عليهم. والاستثناء متصل من ضمير { رَدَدْنَاهُ } فإنه في معنى الجمع؛ لأن المكني عنه وهو الإنسان، في معنى الجنس.

هذا، وقد اعتمد ابن جرير في تأويل الآية، ما روي عن ابن عباس من أن المعنى (ثم رددناه على أرذل العمر). وأن من كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها، ثم كبر حتى ذهب عقله، كتب له مثل عمله الصالح الذي كان يعمل في شيبته، ولم يؤاخذ بشيء مما عمل في كبره وذهاب عقله، من أجل أنه مؤمن وكان يطيع الله في شبيبته.

وعبارة ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة، وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال معناه: ثم رددناه أي إلى أرذل العمر، إلى عمر الخرفي الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر، وذهاب العقل. { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } في حال صحتهم وشبابهم { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } بعد هرمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل.

قال: وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب في ذلك؛ لأن الله تعالى ذكرُه أخبر عن خلقه ابن آدم وتصريفه في الأحوال، احتجاجاً بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت. ألا ترى أنه يقول: { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } يعني بعد هذه الحجج. ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني بما كانوا له منكرين.

السابقالتالي
2