الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } * { وَطُورِ سِينِينَ } * { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ }

اعلم أن المفسرين لم يختلفوا في أن البلد الأمين مكة المشرفة، الآمن أهلها أن يحاربوا. كما قال الله تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت: 67] وأما المقسمات بها قَبْلُ، ففيها أقوال للسلف لاحتمال موادها لكل منها. فعن مجاهد والحسن وغيرهما أن { ٱلتِّينِ } الذي يؤكل و { ٱلزَّيْتُونِ } الذي يعصر. قالوا: وخصهما لكثرة فوائدهما وعظم منافعهما. وعن قتادة { ٱلتِّينِ } الجبل الذي عليه دمشق و و { ٱلزَّيْتُونِ } الذي عليه بيت المقدس. وعن كعب وابن زيد: { ٱلتِّينِ } مسجد دمشق و { ٱلزَّيْتُونِ } بيت المقدس وعن ابن عباس: { ٱلتِّينِ } مسجد نوح الذي بنى على الجوديّ و { ٱلزَّيْتُونِ } بيت المقدس. فظهر أنهما الشجران المعلومان أو جبلان أو مسجدان. وصوب ابن جرير الأول منها، وعبارته: والصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال { ٱلتِّينِ } هو التين الذي يؤكل و { ٱلزَّيْتُونِ } هو الزيتون الذي يعصر منه الزيت؛ لأن ذلك هو المعروف عند العرب. ولا يعرف جبل يسمى تيناً ولا جبل يقال له زيتون، إلا أن يقول قائل: أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون، والمراد من الكلام، القسم بمنابت التين ومنابت الزيتون، فيكون ذلك مذهبا وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك، دلالة في ظاهر التنزيل ولا من قول لا يجوِّز خلافهُ؛ لأن دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس منابت الزيتون: انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. كيف وجبل الزيتون هو من جبال فلسطين، معروف ذلك عند علماء أهل الكتاب والمؤلفين في تقويم البلاد.

قال صاحب (الذخيرة) في تعداد جبال فلسطين: ويتصل بجبال إسرائيل جبل الزيتون. قال: وقد دعي كذلك لكثرة الزيتون فيه، وهو قريب المسافة من أورشليم، وفيه صعد المسيح لكي يرتفع إلى السماء. انتهى.

ويسمى أيضاً طور زيتا إلى الآن. على أن فيما صوبه ابن جرير، تبقى المناسبة بينهما وبين طور سنين والبلد الأمين وحكمة جمعهما معهما في نسق واحد - غير مفهومة. كما قاله الإمام فالأرجح أنهما موضعان أو موضع واحد معظم، ويكون المقسم به ثلاثة مواضع مقدسة.

قال ابن كثير: وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبيّاً مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محل التين والزيتون وهو بيت المقدس الذي بعث الله فيه عيسى ابن مريم عليهما السلام.

والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.

والثالث: مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمد صلى الله عليه وسلم. وفي التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء: يعني الذي كلم الله عليه موسى.

السابقالتالي
2 3 4 5