الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ }

{ وَٱلضُّحَىٰ } تقدم في سورةوَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1] تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعاً عالياًوَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الليل: 1] أي: اشتد ظلامه. وأصله من التسجية وهي التغطية، لستره بظلمته. كما في آيةوَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } [النبأ: 10] { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } جواب القسم. أي: ما تركك وما قطعك قطع المودع.

قال الشهاب في العناية: فالتوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا. وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى. فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعِزّ مفارقته. كما قال المتنبي:
حشاشةُ نفس وَدَّعت يوم وَدَّعوا   فلم أَدْر أيَّ الظاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ
وقال في (شرح الشفاء): الوداع له معنيان في اللغة: الترك وتشييع المسافر. فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة، يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلاً. فإنه معه أينما كان. وإنما الترك لو تصور في جانبه، ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع. فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده. وإليه أشار الأرجاني بقوله:
إذا رأيت الودَاعَ فاصبرْ   ولا يُهمنَّك البعادُ
وانتظر العَوْدَ عن قريبٍ   فإن قلب الوداع (عَادُوا)
فقوله: { وَمَا قَلَىٰ } مؤكد له. (قال): وهذا، ألم أر من ذكره مع غاية لطفه. وكلهم فسروه بالمعنى الأول. ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه. فيقتضي الانقطاع التام، قالوا: إن المبالغة في النفي لا في المنفيّ فتركه لحكم عليه، لا لضرره بهجره. أو لنفي القيد والمقيد. وقرئ { مَا وَدَّعَكَ } بالتخفيف. وورد في الحديث " شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه " وورد في الشعر، كقوله:
فَكَانَ مَا قَدَّموا لأنْفُسِهِمْ   أَعْظمَ نفعاً من الذي وَدَعُوا
ولهذا قال في (المصباح) بهذا: اعلم أن قولهم، في علم التصريف، أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ. وجعله استعارة من الوديعة تعسف. انتهى.

وكذا قال في (المستوفى): أنه كله ورد في كلام العرب، ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وإن كان نادر. انتهى

وقوله تعالى: { وَمَا قَلَىٰ } أي: وما أبغضك. والقالي: المبغض. يعني: ما هجرك عن بغض.

قال الشهاب: وحذف مفعول { قَلَىٰ } اختصاراً للعلم به، وليجري على نهج الفواصل التي بعده، أو لئلا يخاطبه بما يدل على البغض.

تنبيه

روى ابن جرير عن ابن عباس " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياماً، فعُيِّر بذلك. فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه. فأنزل الله هذه الآية " ، وفي رواية: إن قائل ذلك امرأة أبي لهب، وفي أخرى أنها خديجة رضي الله عنها. ولا تنافي، لاحتمال صدوره من الجميع. إلا أن قول المشركين وقول خديجة - إن صح - توجع وتحزن - وفي رواية إسماعيل مولى آل الزبير قال:

السابقالتالي
2