الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } أي: يعدّ ما يصرفه في سبيل الله ويتصدق به صورةً، غرامة وخسراناً، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياءً، لا لوجه الله عزَّ وجلَّ، وابتغاء المثوبة عنده، والغرامة والمغرم والغُرم (بالضم): ما ينفقه المرء من ماله وليس يلزمه، ضرراً محضاً وخسراناً؛ وقال الراغب: الغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي: ينتظر بكم دوائر الدهر - جمع (دائرة) وهي النكبة والمصيبة تحيط بالمرء - فتربص الدوائر، انتظار المصائب، لينقلب أمر المسلمين ويتبدل، فيخلصوا مما عدّوه مغرماً { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } اعتراض بالدعاء عليهم، بنحو ما يتربصونه، أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم.

قال الشهاب: (الدائرة) إسم للنائبة، وهي بحسب الأصل مصدر، كالعافية والكاذبة، أو إسم فاعل بمعنى عقبة دائرة، والعقبة أصلها اعتقاب الراكبين وتناوبهما. ويقال: للدهر عُقَب ونُوَب ودُوَل، أي: مرة لهم ومرة عليهم. و(السوء) يقرأ بضم السين وهو الضرر، وهو مصدر في الحقيقة. يقال: سؤته سوءاً ومساءة ومسائية، ويقرأ بفتح السين وهو الفساد والرداءة - قاله أبو البقاء - { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } أي: لما يقولونه عند الإنفاق مما لا خير فيه { عَلِيمٌ } أي: بما يضمرونه من الأمور الفاسدة التي منها تربصهم الدوائر. وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى.

ثم نوّه تعالى بمؤمني الأعراب الصادقين، بقوله سبحانه:

{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ... }.