الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } وهم العاجزون، مع الصحة، عن العدوّ، وتحمل المشاق، كالشيخ والصبي والمرأة والنحيف { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } أي: العاجزين بأمر عرض لهم، كالعمى والعرج والزمانة { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } أي: ولا على الأقوياء والأصحاء الفقراء والعاجزين عن الإنفاق في السفر والسلاح، { حَرَجٌ } أي: إثم في القعود، و (الحرج) أصل معناه الضيق، ثم استعمل للذنب، وهو المراد { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: أخلصوا الإيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا، ولم يثيروا الفتن، وأوصلوا الخيرات للجاهدين، وقاموا بمصالح بيوتهم.

وقوله تعالى: { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } استئناف مقرر لمضمون ما سبق، أي: ليس عليهم جناح، ولا إلى معاتبتهم سبيل، و (مِنْ) مزيدة للتأكيد، ووضع { ٱلْمُحْسِنِينَ } موضع الضمير، للدلالة على انتظامهم، بنصحهم لله ورسوله، في سلك المحسنين، أو تعليل لنفي الحرج عنهم، أي: ما على جنس المحسنين من سبيل، وهم من جملتهم أفاده أبو السعود.

قال الشهاب: (ليس على محسن سبيل)، كلام جارٍ مجرى المثل، وهو إما عامّ، ويدخل فيه من ذكر، أو مخصوص بهؤلاء، فالإحسان: النصح لله والرسول، والإثم المنفيّ إثم التخلف، فيكون تأكيداً لما قبله بعينه على أبلغ وجه وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام؛ لأن معناه لا سبيل لعاتب عليه، أي: لا يمرّ به العاتب، ويجوز في أرضه، فما أبعد العتاب عنه! فتفطن للبلاغة القرآنية كما قيل:
سُقْياً لأيامنَا الَّتي سَلَفَتْ   إِذ لا يَمُرُّ العذولُ في بَلَدِي
وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر، مشير إلى أن بهم حاجة إلى المغفرة، وإن كان تخلفهم بعذر - أفاده أبو السعود. أي: لأن المرء لا يخلو من تفريط ما، فلا يقال: إنه نفى عنهم الإثم أولاً، فما الإحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب؟ أفاده الشهاب.

{ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } عطف على { ٱلْمُحْسِنِينَ } ، أو على { ٱلضُّعَفَآءِ } أي: لتعطيهم ظهراً يركبونه إلى الجهاد معك { قُلْتَ } أي: لهم { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } أي: إلى الجهاد. قوله تعالى: { تَوَلَّوْا } جواب إذا، أي: خرجوا من عندك { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } أي: في الحملان، فهؤلاء، وإن كانت لهم، قدرة على تحمل المشاق، فما عليهم من سبيل أيضاً.

تنبيهات

الأول: قال السيوطيّ في (الإكليل): في قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ... } الخ رفع الجهاد عن الضعيف والمريض، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملاً. انتهى.

وقال بعض الزيدية: هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج، وهو الإثم، على ترك الجهاد لهذه الأعذار، بشرط النصيحة لله ولرسوله، أي: بأن يريد لهم ما يريد لنفسه - عن أبي مسلم.

الثاني: قال الحاكم: في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب، وأنه يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة.

السابقالتالي
2