الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ }

{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ }.

{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } إنكار وذم للمتخلفين عن الجهاد، الناكلين عنه، مع وجود الطول الذي هو الفضل والسعة، وإخبار بسوء صنيعهم، إذ رضوا بالعار والقعود مع الخوالف، لحفظ البيوت، وهن النساء، وذلك لإيثارهم حب المال على حب الله، وأنه بسبب ذلك { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي: ختم عليها، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ، أي: ما في حب الله والتقرب إليه بالجهاد من الفوز والسعادة، وما في التخلف من الشقاء والهلاك.

فوائد

الأولى: قال الزمخشريّ: يجوز أن يراد السورة بتمامها، وأن يراد بعضها، في قوله: { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } كما يقع (القرآن) و (الكتاب) على كله وعلى بعضه. وقيل: هي (براءة)؛ لأن فيها الأمر بالإيمان والجهاد. انتهى.

وقيل: المراد كل سورة ذكر فيها الإيمان والجهاد.

وقال الشهاب: وهذا أولى وأفيد؛ لأن استئذانهم عند نزول آيات براءة علم مما مرَّ. وقد قيل: إن { إِذَآ } تفيد التكرار بقرينة المقام لا بالوضع، وفيه كلام مبسوط في محله.

الثانية: إِنما خص ذوي الطَّول، لأنهم المذمومون، وهم من له قدرة مالية، ويعلم منه البدنية أيضاً بالقياس.

الثالثة: الخوالف: جمع (خالفة)، وهي المرأة المتخلفة عن أعمال الرجال، والمراد ذمهم وإِلحاقهم بالنساء، كما قال:
كُتِبَ القتلُ والقِتالُ علينا   وعلى الغانيَات جرُّ الذيولِ
والخالفة تكون بمعنى من لا خير فيه، والتاء فيه للنقل للإسمية، فإن أريد هاهنا، فالمقصود من لا فائدة فيه للجهاد. وجمع على فواعل على الوجهين: أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلتأنيث لفظه؛ لأن (فاعلاً) لا يجمع على (فواعل) في العقلاء الذكور، إلا شذوذاً، كنواكس، أفاده الشهاب.

ثم بيّن تعالى ما للمؤمنين من الثناء الحسن، والمثوبة الحسنى ضد أولئك، بقوله سبحانه:

{ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ... }.