الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }

{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } قال المهايميّ: لأنها شفاعة، ولا شفاعة في حقهم { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } أي: لا تقف عليه للدفن أو للزيارة والدعاء. قال الشهاب: القبر مكان وضع الميت، ويكون بمعنى الدفن، وجوّز هنا: { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } في الحياة بالباطن { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } أي: خارجون عن الإيمان الظاهر، الذي كانوا به في حكم المؤمنين.

تنبيهات

الأول: روى الشيخان في سبب نزول الآية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " لما توفي عبد الله ابن أبيّ، جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما خَيَّرني الله فقال: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [التوبة: 80] وسأزيده على السبعين " قال: إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزَّ وجلَّ آية: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم... } الخ.

قال الحافظ أبو نعيم: وقع في رواية في قول عمر: (أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين)؟ ولم يبيَّن محل النهي، فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمريّ: وهو أن مراده بالصلاة عليهم الإستغفار لهم، ولفظه: (وقد نهاك الله أن تستغفر لهم) انتهى. يعني في قوله تعالى:مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ } [التوبة: 113] فإنها نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم: " لأستغفرنّ لك، ما لم أُنْهَ عنك " وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، ووفاة عبد الله بن أبيّ في ذي القعدة سنة تسع بعد قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك. كذا في (فتح الباري).

ووقع في مسند الإمام أحمد ما تقدم من حديث عمر نفسه. قال عمر: " لما توفي عبد الله بن أبيّ دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام عليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه، تحولتُ حتى قمتُ في صدره فقلت: يا رسول الله، أعلى عدوّ الله: عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا، كذا وكذا؟ - يعدّد أيامه - قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: " أَخِّرْ عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قد قيل لي: { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ... } الآية - لو أعلم أني لو زدت على السبعين، غُفِرَ له، لزدت ". قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره، حتى فرغ منه. قال: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. قال: فوالله! ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً... } الآية - فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ ".


السابقالتالي
2