الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } أي: حلف به { لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي: بإعطاء كل ذي حق حقه.

{ فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ } أي: عن العهد { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ }.

{ فَأَعْقَبَهُمْ } أي: فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك، أو فأورثهم البخل { نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } أي: من التصدق والصلاح { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } في العهد.

{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } أي: ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } أي: ما غاب عن العباد.

تنبيهات

الأول: قال السيوطي في (لباب النقول): أخرج الطبراني وابن مردويه وابن أبي حاتم والبيهقيّ في (الدلائل) بسند ضعيف عن أبي أمامة؛ " أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً. قال: " ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه ". قال: والله لئن آتاني الله مالاً لأوتين كل ذي حق حقه. فدعا له، فاتخذ غنماً، فنمت حتى ضاقت عليه أزقة المدينة، فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة، ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة، فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة، فتنحى بها، فكان يشهد الجمعة ثم يخرج إليها، ثم نمت، فتنحى بها، فترك الجمعة والجماعات، ثم أنزل الله على رسوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103]، فاستعمل على الصدقات رجلين، وكتب لهما كتاباً، فأتيا ثعلبة، فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقا إلى الناس، فإذا فرغتم فمروا بي ففعلا، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، فانطلقا، فأنزل الله: { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ... } إلى قوله: { يَكْذِبُونَ... } " الحديث.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفيّ عن ابن عباس نحوه، وفيه أنه جاء بعدُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بصدقته فقال له: " إن الله منعني أن أقبل منك " ، فجعل التراب على رأسه. فقال: " هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني " ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، وكذا عمر وعثمان، ثم إنه هلك في أيام عثمان.

قال الشهاب: مجيء ثعلبة وحثوه التراب، ليس للتوبة من نفاقه، بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين، وقوله صلوات الله عليه: " هذا عملك " ، أي: جزاء عملك، وهو عدم إعطائه المصدقين، مع مقالته الشنعاء.

السابقالتالي
2 3