الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } أي: فيك شيئاً يسوؤك { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } قال قتادة: نزلت في عبد الله بن أبيّ، وذلك أنه اقتتل رجلان: جهنيّ وأنصاري، فعلا الجهنيّ على الأنصاريّ، فقال عبد الله للأنصار: ألا تنصرون أخاكم! والله، ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: (سمن كلبك يأكلك). وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ، فسمى بها رجل من المسلمين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله فيه هذه الآية.

وروى الأمويّ في مغازيه عن ابن إسحاق أن الجلاس بن سويد بن الصامت - وكان ممن تخلف من المنافقين - لما سمع ما ينزل فيهم قال: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً فيما يقول، لنحن شرٌّ من الحمير، فسمعها عمير بن سعد، وكان في حجره، فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إليّ، وأحسنهم عندي بلاءً، وأعزهم عليّ أن يصله شيئاً تكرهه، ولقد قلت مقالة، فإن ذكرتها لتفضحني، ولئن كتمته لتهلكني، ولإحداهما أهون عليّ من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما قال الجلاس، فلما بلغ ذلك الجلاس، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف بالله ما قالها، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ... } الآية - فوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها، فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته، ونزع فأحسن النزوع.

وهاتان الروايتان وغيرهما مما روي هنا، كله مما يفيد تنوع مقالات وكلمات مكفرة لهم مما هو من هذا القبيل، وإن لم يمكنّا تعيين شيء منها في هذه الآية.

وقوله تعالى: { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } قال ابن كثير: قيل أنزلت في الجلاس بن سويد، وذلك أنه هم بقتل عمير، ابن امرأته، لما رفع كلمته المتقدمة إلى النبيّ صلوات الله عليه. وقد ورد أن نفراً من المنافقين هموا بالفتك بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو في غزوة تبوك، في بعض تلك الليالي، في حال السير، وكانوا بضعة عشر رجلاً. قال الضحاك: ففيهم نزلت هذه الآية. قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أمر منادياً فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة، فلا يأخذها أحد. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة، ويسوق به عمّار، إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل، غشوا عماراً، وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عمار رضي الله عنه يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: " قُدْ قُدْ " ، حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2