الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي: عن إتيانهم بتلك القبائح المتضمنة للاستهزاء بما ذكر { لَيَقُولُنَّ } أي: في الاعتذار إنه لم يكن عن القلب حتى يكون نفاقاً وكفراً بل { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ } أي: ندخل هذا الكلام لترويح النفس { وَنَلْعَبُ } أي: نمزح { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } أي: في ترويحكم ومزاحكم، ولم تجدوا لهما كلاماً آخر.

{ لاَ تَعْتَذِرُواْ } أي: لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة، فالنهي عن الاشتغال به، وإدامته، إذ أصله وقع { قَدْ كَفَرْتُمْ } أي: أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه وباستهزائكم بمقالكم { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي: بعد إظهاركم الإيمان.

تنبيه

قال في (الإكليل): قال الكيا: فيه دلالة على أن اللاعب والجادّ في إظهار كلمة الكفر سواء، وأن الاستهزاء بآيات الله كفر - انتهى.

قال الرازيّ: لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدةُ الكبرى في الإيمان تعظيمُ الله تعالى بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال.

وقال الإمام ابن حزم في (الملل): كل ما فيه كفر بالبارئ تعالى، واستخفاف به، أو بنبيّ من أنبيائه، أو بملك من ملائكته، أو بآية من آياته عزَّ وجلَّ، فلا يحلّ سماعه ولا النطق به، ولا يحلّ الجلوس حيث يلفظ به. ثم ساق الآية.

وقوله تعالى: { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } أي: لتوبتهم وإخلاصهم، أو تجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } أي: مصرّين على النفاق، أو مُقدِمين على الإيذاء والاستهزاء.

تنبيه

روي في صفة استهزاء المنافقين روايات عدة:

قال ابن إسحاق: كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت، أخو بني عمرو بن عوف، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له: مُخَشِّن بن حُمَيّر، (ويقال مَخْشِيّ) يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جِلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً. والله! لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين، فقال مخشن بن حمير: والله! لوددت أن أقاضَى على أن يُضرَبَ كل منا مائة جلدة، وأنا ننقلب أن ينزل فينا قرآن، لمقالتكم هذه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر: " أدرك القوم، فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى! قلتم: كذا وكذا " فانطلق إليهم، عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيهم: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } وقال مخشن بن حمير: يا رسول الله، قعد بي إسمي وإسم أبي، وكان الذي عُفِيَ عنه في هذه الآية مخشن، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه، فقتل بيوم اليمامة، فلم يوجد له أثر.

السابقالتالي
2