الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَمِنْهُمُ } أي: من الذين يحلفون بالله إنهم لمنكم، من هو أشدّ من اللامز في الصدقات إذ هم { ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي: يسمع كل ما يقال له ويصدقه، ويعنون إنه ليس بعيد الغور، بل سريع الإغترار بكل ما يسمع.

قال أبو السعود: وإنما قالوه لأنه صلوات الله عليه كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا، ويصفح عنهم حلماً وكرماً، فحملوه على سلامة القلب، وقالوا ما قالوا.

قال اللغويون: (الأُذُن) الرجل المستمع القابل لما يقال له، وصفوا به الواحد والجمع، فيقال: رجلٌ أذن، ورجالٌ أذن، وامرأةٌ أذن، فلا يثنى ولا يجمع، وإنما سموه باسم العضو تهويلاً وتشنيعاً، فهو مجاز مرسل، أطلق فيه الجزء على الكل مبالغة بجعل جملته، لفرط استماعه، آلةَ السماع، كما سمي الجاسوس عيناً لذلك، ونحوُه:
إذا ما بدت ليلَى فكلِّيَ أعينٌ   وإن حدثوا عنها فكلِّي مسامعُ
وجعله بعضهم من قبيل التشبيه: بـ (الأُذُن) في أنه ليس فيه وراء الإستماع تمييز حق عن باطل.

قال الشهاب: وليس بشيء يعتد به. وقيل إنه على تقدير مضاف، أي: ذو أذن.

قال الشهاب: وهو مُذْهِب لرونقه. وقيل: هو صفة مشبهة من (أذن إليه وله) كفرح: استمع. قال عمرو بن الأهيم:
فلما أنْ تَسَايَرْنَا قلِيلاً   أَذِنَّ إلَى الْحَدِيثِ فَهُنَّ صُورُ
ولِقَعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً   مني وما سَمعُوا من صالح دَفَنُوا
صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذكرتُ بِهِ   وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندَهُمْ أَذِنُوا
وفي الحديث: " ما أذن الله لشيء ما أذِن للنبيّ يتغنى بالقرآن " قال أبو عبيد: يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لمن يتلوه، يجهر به. وقوله عز وجل:وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [الانشقاق: 2]، أي: استمعت. كذا في (تاج العروس).

وعلى هذا فـ (أُذن) صفة بمعنى سميع ولا تجوّز فيه، ففيه أربعة أوجه.

وعطف قوله تعالى: { وَيِقُولُونَ } عطف تفسير: لأنه نفس الإيذاء.

وقوله تعالى: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة، كرجل صدق، تريد المبالغة في الجودة والصلاح، كأنه قيل: نعم هو أذن، ولكن نِعْمَ الأذن، أو إضافته على معنى (في) أي: هو أذن في الخير والحق، وفيما يجب سماعه وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك. ودل عليه قراءة حمزة. (ورحمةٍ) بالجر عطفاً عليه، أي: هو أذن خير لكم ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله.

ثم فسر كونه أذن خير بقوله: { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } قال القاشانيّ: هو بيان لينه صلى الله عليه وسلم وقابليته، لأن الإيمان لا يكون إلا مع سلامة القلب، ولطافة النفس ولينها { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: يصدق قولهم في الخيرات، ويسمع كلامهم فيها ويقبله { وَرَحْمَةٌ } أي: وهو رحمة { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي: يعطف عليهم، ويرقّ لهم، فينجيهم من العذاب بالتزكية والتعليم، ويصلح أمر معاشهم ومعادهم، بالبر والصلة، وتعليم الأخلاق من الحلم والشفقة والأمر بالمعروف، باتباعهم إياه فيها، ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في الدارين، والتحريض على أبواب البر بالقول والفعل، إلى غير ذلك.

السابقالتالي
2 3