الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } لما ذكر تعالى لمزهم في الصدقات، تأثره ببيان حقِّيَّة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من القسمة، إذ لم يتجاوز فيها مصارفها المشروعة له، وهو عين العدل، وذلك أنه تعالى شرع قسمها لهؤلاء، ولم يكله إلى أحد غيره، ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم منها لنفسه شيئاً، ففيم اللمز لقاسمها، صلوات الله عليه؟

روى البخاري عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، والله يعطي ".

وروى أبو داود عن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال: " أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له: " إن الله تعالى لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ".

فالآية ردّ لمقالة أولئك اللمزة، وحسم لأطماعهم، ببيان أنهم بمعزل من الإستحقاق. وإعلام بمن إعطاؤهم عدل، ومنعهم ظلم.

والفقراء، جمع فقير، فعيل بمعنى فاعل، يقال: فقر يفقر من باب تعب، إذا قل ماله.

والمساكين: جمع مسكين، من (سكن سكوناً)، ذهبت حركته، لسكونه إلى الناس، وهو بفتح الميم في لغة بني أسد، وبكسرها عند غيرهم. قال ابن السكِّيت: المسكين الذي لا شيء له، والفقير الذي له بُلغة من العيش. وكذلك قال يونس، وجعل الفقير أحسن حالاً من المسكين. قال: وسألت أعرابياً: أفقير أنت؟ فقال: لا، والله! بل مسكين، وقال الأصمعيّ: المسكين أحسن حالاً من الفقير، وهو الوجه، لأن الله تعالى قال:أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } [الكهف: 79] وكانت تساوي جملة، وقال في حق الفقراء:لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } [البقرة: 273] وقال ابن الأعرابيّ: المسكين هو الفقير، وهو الذي لا شيء له، فجعلهما سواء. كذا في (المصباح).

قال البدر القرافيّ: وإذا اجتمعا افترقا، كما إذا أوصي للفقراء والمساكين، فلا بد من الصرف للنوعين، وإن افترقا اجتمعا، كما إذا أوصي لأحد النوعين، جاز الصرف للآخر.

قال المهايميّ: ثم ذكر تعالى من يحتاج إليهم المحتاجون إلى الصدقات، فقال: { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } أي: الساعين في تحصيلها: القابض والوازن والكيال والكاتب، يعطون أجورهم منها.

ثم ذكر من يحتاج إليهم الإمام فقال: { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ }.

وهم قوم ضعفت نيتهم في الإسلام، فيحتاج الإمام إلى تأليف قلوبهم بالعطاء، تقوية لإسلامهم، لئلا يسري ضعفهم إلى غيرهم، أو أشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم.

ثم ذكر تعالى من يعان بها في دفع الرقّ بقوله: { وَفِي ٱلرِّقَابِ }.

السابقالتالي
2 3 4 5