الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

{ لَوْ كَانَ } أي: ما تدعوهم إليه { عَرَضاً قَرِيباً } أي: نفعاً سهل المأخذ { وَسَفَراً قَاصِداً } أي: وسطاً { لاَّتَّبَعُوكَ } أي: لا لأجلك، بل لموافقة أهوائهم { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } بضم الشين، وقرئ بكسرها، أي: الناحية التي ندبوا إليها. وسميت الناحية التي يقصدها المسافر بذلك، للمشقة التي تلحقه في الوصول إليها. وقرئ (بعِدت) بكسر العين. قال الشهاب: بعد يبعَد كعلم يعلم، لغة فيه، لكنه اختص ببعد الموت غالباً. و(لا تبعد) يستعمل في المصائب للتفجع والتحسر كقوله:
لا يُبْعِدِ اللهُ إخواناً لنا ذَهَبُوا   أفناهم حَدَثَانُ الدهرِ والأَبَدُ
{ وَسَيَحْلِفُونَ } أي: هؤلاء المتخلفون عن غزوة تبوك { بِٱللَّهِ } متعلق بـ { سَيَحْلِفُونَ } ، أو هو من جملة كلامهم. والقول مراد في الوجهين، أي: سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك، معتذرين بالعجز، يقولون بالله: { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي: إلى تلك الغزوة.

ثم بيّن تعالى أن هذه الدعوى الكاذبة والحلف لا يفيدانهم، بقوله سبحانه: { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } أي: بهذا الحلف والمخالفة ودعوى العجز { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } لأنهم كانوا يستطيعون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.