الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ }

{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } أي: يخمدوا حجته الدالة على وحدانيته، وتقدسه عن الولد، أو القرآن، أو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } أي: بإعلاء التوحيد، وإعزاز الإسلام { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } أي: بدلائل التوحيد، ذلك. قال أهل المعاني: نور الله استعارة أصلية تصريحية لحجته أو ما بعدها، لتشبيه كل منها بالنور في الظهر، والإطفاء ترشيح، أو هو استعارة تمثيلية، شبه حالهم في محاولتهم إبطال النبوة بالتكذيب، بحال من يطلب إطفاء نور عظيم، منبث في الآفاق، يريد الله أن يزيده بنفخه.

لطائف

الأولى: قال الشهاب: روعي في كل من المشبه والمشبه به الإفراط والتفريط، حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله، ومن شأن النور المضاف إليه أن يكون عظيماً، فكيف يطفأ بنفخ الفم، مع ما بين الكفر الذي هو ستر وإزالة للظهور، والإطفاء من المناسبة.

الثانية: لا يخفى أن قوله تعالى: { إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } استثناء مفرغ، وهو في محل نصب مفعول به، والاستثناء المفرغ يكون في الفعل المنفي لا الموجب، إلا أن يستقيم المعنى. وهنا صح التفريغ من الموجب وهو { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ } لأنه نفي في المعنى؛ لأنه وقع في مقابلة { يُرِيدُونَ } وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس في نفي الإرادة، أي: لا يريد شيئاً من الأشياء إلا إتمام نوره، فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه، فضلاً عن الإطفاء - أفاده أبو السعود.

وقال الزجاج: المستثنى منه محذوف تقديره (ويكره الله كل شيء إلا إتمام نوره).

وقال الشهاب: فالمعنى على العموم المصحح للتفريغ، عنده، فللناس في توجيه التفريغ هنا مسلكان. والحاصل أنه إن أريد كل شيء يتعلق بنوره بقرينة السياق، صح إرادة العموم، ووقوع التفريغ في الثابتات، كما ذهب إليه الزجاج، إذ ما من عامّ إلا وقد خصّ، فكل عموم نسبيّ، لكنه يكتفي به، ويسمى عموماً. ألا ترى أن مثالهم (قرأت إلا يوم كذا) قد قدّروه كل يوم، والمراد من أيام عمره، لا من أيام الدهر. فإن نظر إلى الظاهر في أمثاله كان عامّاً، واستغنى عن النفي، وإن نظر إلى نفس الأمر، فهو ليس بعام، فيؤول بالنفي، والمعنى فيهما واحد. وإنما أوّل به هنا عند من ذهب إلى تأويله، لاقتضاء المقابلة له، إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي، فيلزمه جريان التفريغ في كل شيء، وليس كذلك ما صرح به الرضى. ولذا قيل: الاستثناء المفرغ، وإن اختص بالنفي، إلا أنه قد يمال مع المعنى بمعونة القرائن، ومناسبة المقامات، فيجري بعض الإيجابات مجرى النفي في صحة التفريغ معها - ذكره الشهاب أيضاً.

الثالثة: قال أبو السعود: وفي إظهار (النور) في مقام الإضمار مضافاً إلى ضميره عز وجل - زيادة اعتناء بشأنه، وتشريف له على تشريف، وإشعار بعلة الحكم.