الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } زيادة تقرير لما سلف من كفرهم بالله تعالى، وفيه وصفهم بنوع آخر من الشرك. والأحبار علماء اليهود جمع (حَبِْر) بكسر الحاء وفتحها، وهو العالم بتحبير الكلام وتحسينه - كذا ذكره أئمة اللغة - قال بعضهم: (الحبر) أعظم الأشراف بين الإسرائيليين، يكون عندهم وسيلة للتقرب لله، ومرتبة وراثية في آل هارون، يكون بكر أشيخ من فيها. انتهى.

و (الرهبان) جمع راهب بمعنى المتعبد الخاشع الزاهد، وأصل الترهب عن النصارى، التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها. وفي الحديث: " لا رهبانية في الإسلام ".

وقوله تعالى: { أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، قال الرازيّ: الأكثرون من المفسرين قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، أي: لما روى الترمذيّ عن عديّ بن حاتم قال: " أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: " يا عديّ، اطرح عنك هذا الوثن ". وسمعته يقرأ في سورة براءة: { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } قال: " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " ".

وروى الإمام أحمد والترمذيّ وابن جرير من طرق، عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّ إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية فأُسرت أخته وجماعه من قومه، ثم منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته، وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، فرغَّبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عديّ المدينة، وكان رئيساً في قومه طيئ، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدّث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنق عديّ صليب من فضة، وهو يقرأ هذه الآية: { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: " " بلى إنهم حرّموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عديّ، ما تقول؟ أيضرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئاً أكبر من الله؟ ما يضرك أن يقال: لا إله إلا الله، فهل تعلم إلهاً غير الله؟ " ثم دعاه إلى الإسلام، فأسلم وشهد شهادة الحق ".

قال فلقد رأيت وجهه استبشر، ثم قال:

السابقالتالي
2