الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } (الأذان) بمعنى الإيذان، وهو الإعلام، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء. وارتفاعه كارتفاع (براءة). وهذه الجملة معطوفة على مثلها، والفرق بين معنى الجملة الأولى والثانية، أن تلك إخبار بثبوت البراءة، وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت، وإنما علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين، وعلق الأذان بالناس؛ لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم، وأما الأذان فعامّ لجميع الناس، من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث. كذا في (الكشاف).

ويوم الحج الأكبر: قيل يوم عرفة، وقيل يوم النحر.

قال ابن القيّم: وهو الصواب؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليّاً رضي الله عنهما، أذّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة.

وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يوم الحج الأكبر يوم النحر " وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة.

ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقامة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته، ولهذا كان فيه ذبح القرابين، وحلق الرؤوس، ورمي الجمار، ومعظم أفعال الحج. وعمل يوم عرفة، كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم، انتهى.

تنبيه

روى الأئمة هاهنا آثاراً كثيرة، نأتي منها على جوامعها:

قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من (تبوك) حين فرغ، فأراد الحج ثم قال: إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج، حتى لا يكون ذلك. فأرسل أبا بكر وعليّاً فطافا بالناس في (ذي المجاز) وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات، عشرون من ذي الحجة، إلى عشر يخلون من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال، إلى أن يؤمنوا.

وروى ابن إسحاق بسنده عن أبي جعفر محمد بن عليّ رضوان الله عليه قال: لما نزلت (براءة) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر؛ فقال: " لا يؤدّي عني إلا رجل من أهل بيتي " ، ثم دعا عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له: " اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته "

السابقالتالي
2 3