الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أي: المطهرة بواطنهم بالإيمان { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } أي: ذوو نجس، لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، فهو مجاز عن خبث الباطن، وفساد العقيدة، مستعار لذلك، أو هو حقيقة، لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون، ولا يجتنبون النجاسات، فهي ملابسة لهم، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها، مبالغة في وصفهم بها. { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } أي: لحج أو عمرةٍ كما كانوا يفعلون في الجاهلية، قال المهايميّ: لأن المسجد الحرام تجتمع فيه المتفرقون في الأرض، ليسري صفاء القلوب من بعض إلى بعض، وهاهنا يخاف سريان الظلمات في العموم. { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } أي: بعد حج عامهم هذا، وهو عام تسع من الهجرة، حين أُمّر أبو بكر على الموسم، وتقدم لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتبع أبا بكر بعليّ رضي الله عنهما، لينادي في المشركين: " ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان " فأتم الله ذلك، وحكم به شرعاً وقدراً. { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أي: فقراً بسبب منعهم من الحرم، لانقطاع أرفاقٍ كانت لكم من قدومهم { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ } أي: من فتح البلاد، وحصول المغانم، وأخذِ الجزية، وتوجه الناس من أقطار الأرض. قال ابن إسحاق: إن الناس قالوا: لتقطعنّ عنا الأسواق، فلتهلكنّ التجارة، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المرافق، فقال الله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً... } إلى قوله: { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي: هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق، فعوضهم الله مما قطع عنهم بأمر الشرك، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية. انتهى.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } أي: بما يصلحكم { حَكِيمٌ } أي: فيما يأمر به وينهى عنه.

تنبيهات

الأول: دلت الآية على نجاسة المشرك، كما في الصحيح: " المؤمن لا ينجس " وأما نجاسة بدنه، فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات، لأن الله تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب. وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم، وقال أشعث عن الحسن: من صافحهم فليتوضأ - رواه ابن جرير، نقله ابن كثير.

وأقول: الإستدلال بكونه تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب غير ناهض، لأن البحث في المشركين. وقاعدة التنزيل الكريم، التفرقة بينهم وبين أهل الكتاب، فلا يتناول أحدهما الآخر فيه.

وقال بعض المفسرين اليمنيّين: مذهب القاسم والهادي وغيرهما؛ أن الكافر نجس العين، آخذاً بظاهر الآية، لأنه الحقيقة. ويؤيد ذلك حديث أبي ثعلبة الخشنيّ فإنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نأتي أرض أهل الكتاب فنسألهم آنيتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: " اغسلوها ثم اطبخوا فيها ".

وقال زيد والمؤيد بالله والحنفية والشافعية: إن المشرك ليس نجس العين، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشرك، واستعار من صفوان دروعاً ولم يغسلها، وكانت القصاع تختلف من بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الأسارى ولا تغسل، وكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يطبخون في أواني المشركين ولا تغسل.

السابقالتالي
2 3