الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } روى العوفيّ في (تفسيره) عن ابن عباس أن المشركين قالوا: عُمارة بيت الله، وقيام على السقاية، خير ممن آمن وجاهد، وكانوا يفخرون بالحرم، ويستكبرون به، من أجل أنهم أهله وعماره، فخير اللهُ الإيمانَ والجهاد مع رسوله، على عمارة المشركين البيت، وقيامهم على السقاية، وبيّن أن ذلك لا ينفعهم مع الشرك، وأنهم ظالمون بشركهم، لا تغني عمارتهم شيئاً.

قال اللغويون: (السقاية) بالكسر والضم موضع السقي. وفي (التهذيب): هو الموضع المتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها. انتهى.

وفي (التاج): سقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يليها العباس رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام. انتهى.

وروى الإمام مسلم عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام؛ وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ... } الآية.

ورواه عبد الرزاق في (مصنفه) ولفظه: إن رجلاً قال: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام... الحديث.

قال بعضهم: فظاهر هذه الرواية أن المفاضلة كانت بين بعض المسلمين المؤثرين للسقاية والعمارة على الهجرة والجهاد ونظائرهما، ونزلت الآية في ذلك، مع أن الرواية السالفة عن ابن عباس تنافيه، وكذا تخصيص ذكر الإيمان بجانب المشبه به، وكذا وصفهم بالظلم لأجل تسويتهم المذكورة.

وأقول: لا منافاة، وظاهر النظم الكريم فيما قاله ابن عباس لا يرتاب فيه، وقول النعمان (فأنزل الله) بمعنى أن مثل هذا التحاور نزل فيه فيصل متقدم، وهو هذه الآية، لا بمعنى أنه كان سبباً لنزولها كما بيناه غير ما مرة. وهذا الاستعمال شائع بين السلف، ومن لم يتفطن له تتناقض عنده الروايات، ويحار في المخرج، فافهم ذلك وتفطن له.

وتأييد أبي السعود نزولها في المسلمين بما أطال فيه، ذهول عن سباق الآية وعن سياقها، فيما صدعت فيه من شديد التهويل، وعن لا حقها في درجات التفضيل، وقصر الفوز والرحمة والرضوان على المشبه به.

لطيفة

لا يخفى أن السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالأعيان، فلا بد من تقدير مضاف في أحد الجانبين، أي: أجعلتم أهلهما كمن آمن بالله... إلخ ويؤيده قراءة من قرأ " سقاة الحاج وعَمَرَة المسجد الحرام " أو: أجعلتموها كإيمان من آمن... الخ.

قال أبو البقاء: الجمهور على (سقاية) بالياء، وصحت الياء لما كانت بعدها تاء التأنيث.

ثم بيّن تعالى مراتب فضل المؤمنين، إثر بيان عدم الإستواء وضلال المشركين وظلمهم، بقوله سبحانه:

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... }.