الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي: لم يعبد إلا الله { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } أي: إلى الجنة. وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية، في معرض التوقع، لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء، والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم أنهم مهتدون، فإن المؤمنين، ما بهم من هذه الكمالات، إذا كان أمرهم دائراً بين (لعلّ وعسى)، فما بال الكفرة وهم هم، وأعمالهم أعمالهم!! وفيه لطف للمؤمنين، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، ورفض الاغترار بالله تعالى - كذا حرره أبو السعود.

وقال الناصر: وأكثرهم يقول: إن " عسى " من الله واجبة، بناء منهم على أن استعمالها غير مصروفة للمخاطبين. والحق أن الخطاب مصروف إليهم، كما قال الزمخشريّ، أي: فحال هؤلاء المؤمنين حال مرجوّة العاقبة عند الله معلومة، ولله عاقبة الأمور.

تنبيهات

الأول: قال الزمخشريّ: (العمارة) تتناول رمّ ما استرم منها وقمّها، وتظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها للعبادة والذِّكر، ومن الذكر درس العلم، بل هو أجلّه وأعظمه، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، فضلاً عن فضول الحديث.

روى البخاريّ ومسلم عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ".

ورويا أيضاً عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله تعالى، بنى الله له بيتاً في الجنة ".

وأخرج الترمذيّ عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ... } الآية ".

الثاني: إنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لدخوله في الإيمان بالله، فتُرك للمبالغة في ذكر الإيمان بالرسالة، دلالة على أنهما كشيء واحد، إذا ذكر أحدهما فهم الآخر، على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، ومن جملته رسالته صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى:آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [البقرة: 8]. كذا في (العناية).

الثالث: في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر، تفخيم لشأنهما وحث على التنبه لهما.

الرابع: دلت الآيتان على أن عمل الكفار محبط لا ثواب فيه.