الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } لما هدى الله تعالى المؤمنين إلى الإيمان، والأنفس مفتونة بحب الأموال والأنفس، استنزلهم لفرط عنايته بهم، عن مقام محبة الأموال والأنفس، بالتجارة المربحة، والمعاملة المرغوبة، بأن جعل الجنة ثمن أموالهم وأنفسهم، فعرض لهم خيراً مما أخذ منهم. فالآية ترغيب في الجهاد ببيان فضيلته، إثر بيان حال المتخلفين عنه.

قال أبو السعود: ولقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه، حيث عبر عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى، وإثابته أياهم بمقابلتها الجنة، بالشراء، على طريقة الإستعارة التبعية، ثم جعل المبيع، الذي هو العمدة والمقصد في العقد، أنفس المؤمنين وأموالهم. والثمن، الذي هو الوسيلة في الصفقة، الجنة، ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال: (إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم) ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة، وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها، إيذاناً بتعلق كمال العناية بهم وبأموالهم. ثم إنه لم يقل (بالجنة) بل { بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم، واختصاصه بهم. وكأنه قيل: (بالجنة الثابتة لهم، المختصة بهم).

وفي (الكشاف) و(العناية): ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية، لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة، وثمنه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط، بل إذا كانوا قاتلين أيضاً لإعلاء كلمته، ونصر دينه، وجعله مسجلاً في الكتب السماوية، وناهيك به من صك. وجعل وعده حقاً، ولا أحد أوفى من وعده، فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلية، صور جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، وإثابة الله لهم على ذلك الجنة، بالبيع والشراء، وأتى بقوله { يُقَاتِلُونَ... } الخ، بياناً لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم " الجنة تحت ظلال السيوف " ، ثم أمضاه بقوله: { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }. ولما في هذا من البلاغة واللطائف المناسبة للمقام، لم يلتفتوا إلى جعل { ٱشْتَرَىٰ } وحده استعارة أو مجازاً عن الإستبدال، وإن ذكروه في غير هذا الموضع؛ لأن قوله: { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ } يقتضي أنه شراء وبيع، وهذا لا يكون إلا بالتمثيل، ومنهم من جوز أن يكون معنى { ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } بصرفها في العمل الصالح، { وَأَمْوَالَهُمْ } بالبذل فيها.

السابقالتالي
2