الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: بعضها { صَدَقَةً }. قال المهايميّ: لتصدق توبتهم إذ { تُطَهِّرُهُمْ } أي: عما تلطخوا به من أوضار التخلف. وعن حب المال الذي كان التخلف بسببه { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي: عن سائر الأخلاق الذميمة التي حصلت عن المال. قال الزمخشريّ: التزكية مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي: واعطف عليهم بالدعاء لهم وَترَحَّمْ { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } أي: تسكن نفوسهم إليها، وتطمئن قلوبهم بها، ويثقون بأنه سبحانه قبِل توبتهم.

وقال قتادة: { سَكَنٌ } ، أي: وقار. وقال ابن عباس: رحمة لهم. وقد روى الإمام أحمد عن حذيفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا للرجل، أصابته وأصابت ولده وولد ولده. وفي رواية: إن صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده.

والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } أي: يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم { عَلِيمٌ } أي: بما في ضمائرهم من الندم والغم، لما فرط منهم.

تنبيهات

الأول: { تُطَهِّرُهُمْ } قرئ مجزوماً على أنه جواب للأمر، وأما بالرفع، فعلى أنه حال من ضمير المخاطب في { خُذْ }. أو صفة لـ { صَدَقَةً } والتاء للخطاب أو للصدقة. والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده، أي: بها. وقرئ تُطْهِرهم، من أطهره بمعنى طهّره - ولم يُقرأ: (وتزكيهم) إلا بإثبات الياء، وهو خبر لمحذوف، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه، أي: وأنت تزكيهم بها، هذا على قراءة (تطهرهم) بالجزم. وأما على قراءة الرفع فـ { تُزَكِّيهِمْ } عطف على { تُطَهِّرُهُمْ } حالاً أو صفة.

الثاني: قرئ { صَلاَتَك } بالتوحيد، و (صلواتك) بالجمع، مراعاة لتعدد المدعوّ لهم. وقال الشهاب: جمع (صلاة) لأنها إسم جنس، والتوحيد لذلك، أو لأنها مصدر في الأصل.

الثالث: قال الشهاب: السكن السكون، وما يسكن إليه من الأهل والوطن، فإن كان المراد الأول، فجعلها نفس السكن والاطمئنان مبالغة، وهو الظاهر، وإن كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه، في الالتجاء إليه بالسكن، انتهى.

قال أبو البقاء: سكن بمعنى مسكون إليها، فلذلك لم يؤنثه، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض.

الرابع: قيل: المأمور به في الآية الزكاة. و(من) تبعيضية، وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم، فأمره الله أن يأخذ بعضها لتوبته؛ لأن الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين، فترتبط الآية بما قبلها. وقيل: ليست هذه الصدقة المفروضة، بل هم لما تابوا، بذلوا جميع مالهم كفارة للذنب الصادر منهم، فأمره الله تعالى بأخذ بعضها وهو الثلث، وهذا مرويّ عن الحسن، وهو المختار عندهم. ونقل الرازيّ أن أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب أخذ الزكوات من الأغنياء، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولاحقها.

السابقالتالي
2 3