الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } * { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } * { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ }

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } أي: ألم تعلم علماً يقينياً كيف عذب ربك عاداً، فيعذب هؤلاء أيضاً، لاشتراكهم فيما يوجبه من جحود الحق والمعاصي. و (عَادٍ) قبيلة من العرب البائدة. وتلقب بإرم أيضاً. وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هوداً عليه السلام. فكذبوه فأهلكهم بريح صرصر عاتية. فقوله تعالى: { إِرَمَ } عطف بيان لعاد { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } أي: ذات الخيام المعمدة؛ لأنهم كانوا أهل عمد ينتجعون الغيوث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان. ثم يرجعون إلى منازلهم في الأحقاف في حضرموت. وقيل: كني بالعماد عن العلو والشرف والقوة. إلا أن الأشبه - كما قال ابن جرير - بظاهر التنزيل هو الأول. وهو أنهم كانوا أهل عمد سيارة؛ لأن المعروف في كلام العرب من العماد، ما عُمد به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء. ثم قال: وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه، ما وُجِدَ إلى ذلك سبيل، دون الأنكر. { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } أي: في العظم والبطش والأيدي.

قال ابن كثير: كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشاً. ولهذا ذكرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم. فقال:وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأعراف: 69] وقال تعالى:فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [فصلت: 15].

تنبيه

قال الإمام الدراكة ابن خلدون في (مقدمة) تاريخه في سياق الأخبار الواهية للمؤرخين ما مثاله: وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة (والفجر) في قوله تعالى: { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } فيجعلون لفظه { إِرَمَ } اسما لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين، وينقلون أنه كان لعاد بن عوص بن إرم ابنان. هما شديد وشداد. ملكا من بعده. وهلك شديد فخلص الملك لشداد. ودانت له ملوكهم وسمع وصف الجنة فقال لأَبنينَّ مثلها. فبنى مدينة (إرم) في صحاري عدن في مدة ثلاثمائة سنة. وكان عمره تسعمائة سنة. وأنها مدينة عظيمة قصورها من الذهب وأساطينها من الزبرجد والياقوت. وفيها أصناف الشجر والأنهار المطردة. ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته. حتى إذا كان منها على مسيرة يوم وليلة، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم. ذكر ذلك الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم من المفسرين. وينقلون عن عبد الله بن قلابة، من الصحابة، أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها وحمل منها ما قدر عليه. وبلغ خبره إلى معاوية فأحضره وقص عليه. فبحث عن كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال: هي { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له.

السابقالتالي
2