الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً }

قوله تعالى: { كَلاَّ } ردع عن قوليه في حاليه. أعني: اعتقاد الإكرام في الإعطاء، والإهانة في المنع، بل لطلب الشكر. وهو صرف النعم إلى ما خلقت له، وإعطاء المال لذويه، وأحقهم الأيتام وهم لا يفعلونه، كما قال: { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } وهو من فقد كافله ومربيه. فإن من آكد الواجبات القيام على تأديبه وكفالته، صونا له إذا أهمل من فساد طبيعته وعيثه بالضرر في أهل جبلته. ومثله التحاض على مواساة البؤساء. وهؤلاء المنعي عليهم ضلالهم في غفلة عنه، كما قال: { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: لا يحض بعضكم بعضاً عليه ولا يتواصى به.

قال الإمام: وإنما ذكر التحاض على الطعام، ولم يكتف بالإطعام فيقول: (ولم تطعموا المسكين) ليصرح لك بالبيان الجلي أن أفراد الأمة متكافلون. وإنه يجب أن يكون لبعضهم على بعض عطف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع التزام كلٍ لما يأمر به، وابتعاده عما ينهى عنه.

لطيفة

قال القاشاني: في دلالة قوله تعالى:فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ... } [الفجر: 15] إلخ، أي: الإنسان يجب أن يكون في مقام الشكر أو الصبر بحكم الإيمان، لحديث " الإيمان نصفان. نصف: صبر، ونصف شكر " لأن الله تعالى إما أن يبتليه بالنعم والرخاء، فعليه أن يشكره باستعمال نعمته فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين وسائر مراضيه. ولا يكفر نعمته بالبطر والافتخار فيقول: إن الله أكرمني لاستحقاقي وكرامتي عنده. ويترفه في الأكل ويتحجب بمحبة المال وبمنع المستحقين. أو بالفقر وضيق الرزق فيجب عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يقول: إن الله أهانني. فربما كان ذلك إكراماً له. بأن لا يشغله بالنعمة عن المنعم، ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه لعدم التعلق، كما أن الأول ربما كان استدراجاً منه. انتهى.

{ وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } قال ابن جرير: أي: تأكلون الميراث أكلاً شديداً، لا تتركون منه شيئاً. من قولهم: (لممت ما على الخوان أجمع فأنا ألمه لمّا) إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.

قال ابن زيد: كانوا لا يورّثون النساء ولا يورثون الصغار، وقرأوَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ } [النساء: 127] أي: لا تورثونهن أيضاً. وقال بكر بن عبد الله: اللّمم: الاعتداء في الميراث. يأكل ميراثه وميراث غيره { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي: جمعه وكنزه، حبّاً كثيراً شديداً.