الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْفَجْرِ } * { وَلَيالٍ عَشْرٍ } * { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } * { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } * { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ }

{ وَٱلْفَجْرِ } أي: الصبح كقوله تعالى:وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [التكوير: 18] أقسم تعالى بآياته، لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضَّوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات، لطلب الأرزاق. وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم. وفيه عبرة لمن تأمل. { وَلَيالٍ عَشْرٍ } هي، على قول ابن عباس ومجاهد، عشر ذي الحجة، لأنها أيام الاهتمام بنسك الحج. وفي البخاري عن ابن عباس مرفوعاً: " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " يعني: عشر ذي الحجة.

وحكى ابن جرير أنه قيل: عني بها عشر المحرم. والرازي، قولاً أنها العشر الأواخر من رمضان، لما فيه من ليلى القدر، ولما صح " أنه صلوات الله عليه كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان شدّ مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله " وثمة وجه آخر في العشر. وهو أنها الليالي التي ُيحلو لك فيها الليل ويشتد ظلامه ويغشى الأفق سواده. وتلك خمس من أوائله وخمس من أواخره. وإن لفظة { عَشْرٍ } بمثابة قوله في السور الآتيةإِذَا يَغْشَىٰ } [الليل: 1]إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 2] مما يبين وجه العبرة ويجليها أتم الجلاء، ولا بعد في هذا المعنى. بل فيه توافق لبقية الآيات. وبالجملة فأوضح المخصصات ما عضده دليل أو أيدته قرينة أو حاكى نظائره. والله أعلم.

{ وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } يعني: الخلق والخالق. فالشفع بمعنى جميع الخلق، للازدواج فيه كما في قوله تعالى:وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49] قال مجاهد: كل خلق الله شفع. السماء والأرض. والبر والبحر. والجن والإنس. والشمس والقمر. والكفر والإيمان. والسعادة والشقاوة. والهدى والضلالة. والليل والنهار.

{ وَٱلْوَتْرِ }: هو الله تعالى لأنه من أسمائه. وهو بمعنى الواحد الأحد. فأقسم الله بذاته وخلقه. وقيل: المعنى بالشفع والوتر: جميع الموجودات من الذوات والمعاني؛ لأنها لا تخلوا من شفع ووتر.

قال القاضي: ومن فسرهما بالبروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها أو بيومي النحر وعرفة، فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول، ما رآه أظهر دلالة على التوحيد، أو مدخلاً في الدين، أو مناسبة لما قبلهما.

قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصص نوعاً من الشفع ولا من الوتر، دون نوع، بخبر ولا عقل، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به. مما قال أهل التأويل أنه داخل في قسمه هذا، لعموم قسمه بذلك.

وقد قرئ (الوتر) بفتح الواو وكسرها. وهما لغتان.

{ وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } أي: إذا يمضي، كقوله:وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [المدثر: 33] والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة. ففي الليل الراحة التي هي من أعظم النعم.

السابقالتالي
2