الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ }

{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أي: نزه ربك عما يصفه به المشركون من الولد والشريك ونحوهما، كقوله:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180] فالاسم صلة. وسرُّ إيراده أن المنوه به إذا كان في غاية العظمة، كثيراً ما تضاف ألفاظ التفخيم إلى اسمه، فيقال: سبح اسمه ومجد ذكره. كما يقال سلام علي المجلس العالي. هذا ما ذكروه. وثمة وجه آخر وهو أن الحق تعالى إنما يعرف بأسمائه الحسنى، لاستحالة اكتناه ذاته العلية، فأقحم تنبيها على ذلك. ومما يؤيده ما ذكر من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا: " سبحان ربي الأعلى " ، كما رواه ابن جرير وغيره.

وذهب بعضهم إلى أن المراد تنزيه اسم الله وتقديسه أن يسمى به شيء سواه، كما كان يفعل المشركون من تسميتهم آلهتهم، بعضها اللات وبعضها العزى، حكاه ابن جرير فالإسناد على ظاهره، وهذا ما اعتمده الإمام ابن حزم في (الفِصَل) حيث رد على من استدل بهذه الآية في أن الاسم عين المسمى، ذهاباً إلى أن من الممتنع أن يأمر الله عز وجل بأن يسبح غيره فقال ابن حزم رحمه الله: وأما قوله تعالى: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } فهو على ظاهره دون تأويل؛ لأن التسبيح في اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله عز وجل، هو تنزيه الشيء عن السوء. وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه، الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء، عن كل سوء حيث كان من كتاب أو منطوقاً به، ووجه آخر وهو أن معنى قوله تعالى: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } ومعنى قوله تعالى:إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 95 - 96] معنى واحد. وهو أن يسبح الله تعالى باسمه. ولا سبيل إلى تسبيحه تعالى ولا إلى دعائه ولا إلى ذكره إلا بتوسط اسمه. فكلا الوجهين صحيح. وتسبيح الله تعالى وتسبيح اسمه كل ذلك واجب بالنص. ولا فرق بين قوله تعالى:فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 96] وبين قوله:وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [الطور: 48 - 49].

والحمد بلا شك هو غير الله. وهو تعالى يسبح بحمده كما يسبح باسمه، ولا فرق. فبطل تعلقهم بهذه الآية. انتهى كلامه.

وقد يقال: فرق بين الآيتين. فإن الباء فيبِحَمْدِ رَبِّكَ } [الطور: 48] للملابسة، ولا كذلك هي فيبِٱسْمِ رَبِّكَ } [الواقعة: 96] ومع اتساع اللفظ الكريم للأوجه كلها، فالأظهر هو الأول لما أيده من الأخبار ولآيةفَسَبِّحْهُ } [الطور: 49] وآيةسُبْحَانَ رَبِّكَ } [الصافات: 180] والله أعلم.

و { ٱلأَعْلَىٰ } هو الأرفع من كل شيء، قدرة وملكاً وسلطاناً.

السابقالتالي
2