الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } * { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } * { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } * { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } * { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } * { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } * { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } * { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } أي: الكواكب والنجوم. شبهت بالبروج، وهي القصور، لعلوها. أو البروج منازل عالية في السماء.

قال ابن جرير: وهو اثنا عشر برجاً. فمسير القمر في كل برج منها يومان وثلث فذلك ثمانية وعشرون منزلا. ثم يستتر ليلتين. ومسير الشمس في كل برج منها شهر. وأصل معنى البروج - كما قاله الشهاب: الأمر الظاهر من التبرج. ثم صار حقيقة في العرف للقصور العالية؛ لأنها ظاهرة للناظرين. ويقال لما ارتفع من سور المدينة: (برج) أيضاً. فشبه على هذا - الفلك بسور المدينة وأثبت له البروج { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } أي: الذي وعد فيه العباد لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة { وَشَاهِدٍ } وهو كل ماله حس يشهد به { وَمَشْهُودٍ } وهو كل مُحَسّ يشهد بالحس. فيدخل فيه العوالم المشهودة كلها. وتخصيصُ بعض المفسرين بعضاً مما يتناوله لفظهما، لعله لأنه الأهم. أو الأَولى أو الأعرف والأظهر، لقرينةٍ عنده. وإلا فاللفظ على عمومه، حتى يقوم برهان على تخصيصه.

{ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } أي: قتلهم الله وأهلكهم وانتقم منهم. على أن الجملة خبرية هي جواب القسم. أو دليل جوابه إن كانت دعائية. والتقدير: لتبلون كما ابتلي من قبلكم، ولينتقمن ممن فتنكم كما انتقم من الذين ألقوا المؤمنين في الأخدود.

قال الزمخشري: وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم (قتلت قريش) كما قيل: { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } والأخدود: الحفرة في الأرض مستطيلة. وقوله تعالى: { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } بدل من { ٱلأُخْدُودِ } و { ٱلْوَقُودِ } بالفتح الحطب الجزل الموقد به وأما { ٱلْوَقُودِ } بالضم فهو الإيقاد { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا } أي: على حافات أخدودها { قُعُودٌ } أي: قاعدون يتشفون من المؤمنين { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } أي: حضور يشاهدون احتراق الأجساد الحية، وما تفعل بها النيران. لا يرقّون لهم لغاية قسوة قلوبهم.

{ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } أي: وما أنكروا منهم، ولا كان لهم ذنب إلا الإيمان بالله وحده.

قال الراغب: نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته؛ إما باللسان وإما بالعقوبة، ومنه الانتقام { ٱلْعَزِيزِ } أي: الغالب على أعدائه بالقهر والانتقام { ٱلْحَمِيدِ } أي: المحمود على إنعامه وإحسانه { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي: على كل شيء من أفاعيل هؤلاء الفجرة أصحاب الأخدود وغيرهم، شاهدٌ شهوداً لا يخفى عليه منه مثقال ذرة وهو مجازيهم عليه. وفي توصيفه تعالى بما ذكر من النعوت الحسنى، إشعار بمناط إيمانهم.

السابقالتالي
2